الخميس، يونيو 09، 2011

قراءة في النظام الاساسي للحكم : حماية الدين



مع الانفتاح الواسع على العالم و تعدد مواقع التواصل الاجتماعي بوسائله المتنوعة أصبح الفرد في قرية صغيرة يتواصل مع مشارق الأرض و مغاربها بالصوت والصورة، ومع هذا التمازج و التداخل و الانصهار المجتمعي حتى غدى بعضنا يقلد بعضاً و يتأثر بعضنا ببعض، يثور بين الحين و الاخر أشياء و أمور و قضايا تجعل البعض يتسآل لماذا نحن مختلفين عن العالم ؟ بل و حتى بعض الدول العربية  ،  لماذا هذه الحماية فوق العادة للمرأة بخلاف الاخرين ؟ لماذا يعاب على من يطالب بالاختلاف في إعلامنا و تعليمنا و ثقافتنا و طرحنا ؟ لماذا هذا الصراع الفكري بين أبناء هذا البلد ؟ فلا تكاد تهدأ قضية إلا بظهور أخرى صراع و جدل لا ينتهي و لا يفتر باستخدام جميع الوسائل من صحف و مجلات و إذاعة و تلفزة بل أخذت أوج قوتها في مواقع التواصل الاجتماعي في الفيسبوك و التويتر و حتى اليوتيوب تضخم من هذه القضايا بسب ما تفرزه القنوات في طرحها و مناقشتها لهذه المواضيع ما بين ندوات و مقابلات وبرامج و مقاطع حتى ضاق الأفق بها و كاد ينفجر!.

و أعتقد و الله أعلم أن قصور فهم بعضنا في دستور البلد و نظامه الأساس سبّب مثل هذه الإشكالات لديهم فالدولة منذ وجدت إنما قامت على تلاحم بين الدين و الدولة بل كان هذا التعاضد في أن يحمي الدين الدولة و تحمي الدولة الدين بتطبيق تعاليمه و الدفاع عنه و امتثال شرائعه و ترسخ ذلك في الدولتين الأوليين و سارت على أثره هذه الدولة سددها الله.

والمتأمل فيما سنه المنظم في النظام الاساسي للحكم في المملكة العربية السعودية و الذي يمثل الوثيقة الدستورية لها يؤكد على أن الدولة وفقها الله سخرت نفسها وجندت قواها لحماية الدين و أهله و مكتسباته و أرضه ، و لا أدل من ذلك بأن وصف الملك نفسه بأنه خادم الحرمين الشريفين في دلالة واضحة على أن الهدف الأساس من قيام الدولة هو حماية الدين و مكتسباته و شعائره .

ففي المباديء العامة لهذا النظام وفي المادة الاولى منه وصف الدولة بأنها دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة ، دينها الإسلام ، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولغتها هي اللغة العربية ، فإذا كانت الدولة بهذا العمق الديني فجزماً أنها ستسعى لحمايته و العناية به بل و تكرس كل طاقاتها لذلك .

و تبعا لذلك جعلت الدولة أعيادها هي الأعياد التي جاءت في هذا الدين الاسلامي و حددت تقويمها و تحديد الأيام بالهجرة النبوية مخالفة جميع نظم العالم وفي ذلك تنبيه إلى أن الدولة لها بعد ديني متغلغل فيها، فقد نصت المادة الثانية من هذا النظام على أن للدولة عيدان هما: عيدا الفطر والأضحى .. وتقويمها هو التقويم الهجري .

و كما أن شعار الدولة هو علمها فلم يخف هذا الهدف العظيم الذي هو حماية الدين من علم الدولة إذ نص المنظم في المادة الثالثة على أن من أوصاف علم الدولة أن تتوسطه كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ، و فيها يبرز أن الدولة حامية للدين و لذلك جاء في تمام الوصف للعلم أن يكون تحت كلمة التوحيد سيف مسلول و تقديرا لهذه الكلمة فلا ينكس العلم أبداً .

و رغم أن الحكم في الدولة ملكي إلا أن العناية بأختيار الحاكم قام تبعا للهدف الأساس و هو حماية الدين فقد حددت المادة الخامسة من هذا النظام أن يختار الحاكم من أبناء الملك عبد العزيز ويبايع الأصلح منهم للحكم ، على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم و جاء في المادة الساسة يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى و سنه رسوله صلى الله عليه و سلم ، وفي ذلك تأكيد على أن الدولة مرتبطة بالدين حامية له وأنها ذات بعد ديني راسخ تسعى لتوثيقه في جميع الامور

و لذلك جاء في المادة السابعة من هذا النظام أن الحكم يستمد في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة ، فلا نظام يعلو فوقهما.

لذلك نجد أن النصوص في مواد النظام تؤكد على أن هذه الأنظمة وفق الشريعة الإسلامية.

و لم يقف الأمر حكرا على اختيار الحاكم و بيان الحكم بل أن هذا النظام بدى أكثر حرصاً و حماية لتأسس أفراد المجتمع على الدين و أكد في المادة التاسعة على أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية .

وأكد كذلك أن التعليم يهدف إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء ، بل و أخذ أكثر عمقاً في أفراد المجتمع عندما قرر أن مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما ورد في المادة الخامسة و الأربعون

و حرص الدولة على الاسرة و التعليم و الافتاء بأن يكون قيامه على العقيدة الصحيحة نابع من هدفها الأسمى في العناية بالمجتمع ليكون متمسكا بدينه و محافظا عليه و حامية له من الزيغ و الفساد إذ بصلاحهم يصلح المجتمع و لفسادهم يعم الشر و يظهر الفساد بما كسبت أيدي الناس.

لذلك جاء في هذا النظام و في المادة الثالثة و العشرون منه أن الدولة تحمي عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله، فلا قيام للدين إلا بهذ الركن الأساس و الدولة وهي تقوم به تريد أن يكون أفرادها متمسكين بدينهم و محافظين على تعاليمه متناصحين فيما بينهم ، و لن يتحقق ذلك إلا بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلا الله سبحانه.

و لذلك أوجب النظام في مادته الرابعة و الثلاثون بأن الدفاع عن العقيدة الإسلامية ، والمجتمع والوطن واجب على كل مواطن وهذا يؤكد أن الدولة من أهم أهدافها التي قامت عليها هو حماية الدين و الدفاع عنه.

و لحماية هذا الدين حرصت الدولة على العناية بشعائر الإسلام التي عزمها الله لذلك جاء في المادة الرابعة و العشرين من هذا النظام بأن تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكّن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة ، فدولتنا بحمد الله خصها الله بخدمة الحرمين و هذا الأمر أحد أبرز الامور في كون الدولة تعتني بحماية الدين فهي تقوم بحماية شعائر الإسلام و شعور المسلمين لذلك نص المنظم في المادة الخامسة و العشرون على أن الدولة تحرص على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة، وعلى تقوية علاقتها بالدول الصديقة ، فدولة تتوجه إليها قلوب المسلمين في صلاتهم ينبغي أن تتوجه إليها في جميع حياتهم ، بتحقيق أمالهم ، ومواساتهم في آلآمهم.

وتبعا لحماية الدين تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية كما ورد ذلك في المادة السادسة و العشرون و حماية الحقوق وفق الشريعة الإسلامية يؤكد على هدف الاول للدولة وهو حماية الدين بل أن النظام و كما ورد في المادة السادسة و الأربعون ينظر الا أبعد من ذلك حيث جعل القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية حماية لحقوق الناس و لابد أن يكون ذلك على ما ورد في الشريعة الاسلامية و لا سلطان لغيرها على الحكم و القضاء في المملكة و لذلك جاء في المادة الثامنة و الأربعون بأن تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ، فالأحكام الصادر من القضاة لابد أن تكون وفقاً للشريعة كما أن أنظمة الدولة المرعية ينبغي أن تكون هي كذلك موافقة لللشريعة و الدولة عندما تسلك هذا المنهج تبين للجميع أنها أنما قامت على الشرع المطهر و حامية له و محافظة عليه ، لذلك نصت في المادة الخامسة و الخمسون على أن يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها .

أن التأكيد و الاشارة الصريحة أو الضمنية للشريعة الاسلامية في معضم مواد النظام الاساسي للحكم يدل دلالة واضحة على أن الدولة تعتني بالشريعة الاسلامية و تحميها و تأمر بتطبيقها و هذا ما يؤكد أن الدولة قامت على الأسلام و بتعاضد بينهم و توافق غفل عنه كثيرون ممن يطالبون الدولة بمخالفة صريحة لتعاليم الدين و هم أنما فعلوا ذلك لقياسهم و مقارنتهم هذه الدولة بدول أخرى ليس لديها هذا المبدء في دساتيرها.

عليه فأن هذه المعاني ينبغي أن تكون واضحة للعيان ظاهرة للذين يعملون في الدولة من كبار موظفيها قبل صغارها فلا يحق لمسؤول كبر منصبه أو صغر أن يخالف هذه التعاليم الحميدة التي سارت عليها البلاد و نصت عليها المواد في النظام الاساسي للحكم ، وخصوصية البلد كما أسلفت أنما نبعت لكونها متمسكة بالدين خادمة لقبلته و كذلك المناصرة التي تمت بين الإمامين العظيمين و قيام الدولة و عزها مرهون بحمايتها لهذا الدين و القيام على مكتسباته و المحافظة عليها سر عظيم في تعاضد الشعب مع قيادة في كثيرة من التيارات و الثورات المناهضة .

حمى بلادنا من كل مكره و جنبنا الشرور.

د.داود بن عبد العزيز الداود