الأحد، مارس 13، 2011

الاضراب عن العمل في السعودية

مرسوم ملكي رقم 17/2/23/2639 تاريخ 2 ذي القعدة سنة 1375هـ
بعون الله وتوفيقه
نحن سعود بن عبدالعزيز
ملك المملكة العربية السعودية
تحقيقاً لما تقتضيه المصلحة العامة ، ورغبة في كفالة استمرار سير المرافق الاقتصادية التي يعود نفعها على المجتمع سيرا منتظما بعيدا عن المؤثرات الضارة ، وضمانا للنظام العام
أمرنا بما هو آت
المادة الأولى: يحظر على مستخدمي وعمال الركات ذوات الامتياز, وكذلك مستخدمي وعمال مؤسسات الخاصة التي تباشر نشاطا ذا منفعة عامة أو تقوم بتنفيذ مشروع عام لصالح الحكومة أن يتركوا العمل أو يتوقفوا عنه إذا كان ذلك نتيجة اتفاق بين ثلاثة منهم أو أكثر. ويجازى المخالف بالسجن لمدة لا تقل عن أسبوع
ويجازى بالسجن لمدة لا تقل عن سنة كل من حرض المستخدمين أو العمال المشار إليهم على ترك عملهم أو بالتوقف عنه سواء أكان ذلك التحريض بقول أم فعل, بالإشارة أم بالكتابة أم بالرسم أم بأية وسيلة أخرى, ولو لم يؤدي التحريض إلى ترك المذكورين للعمل أو التوقف عنه
المادة الثانية: لا يجوز لمستخدمي وعمال الشركات والمؤسسات المشار إليها في المادة الأولى أن يشتركوا في تظاهر أو اعتصام بقصد تقديم أية مطالب أو تأييد مطالب مقسمة من قبل, وإن لم يكن الاشتراك المذكور نتيجة اتفاق سابق. ويجازى المخالف بالسجن لمدة لا تقل عن سنة
ويجازى بالسجن لمدة لا تقل عن سنتين كل من حرض المستخدمين أو العمال المشار إليهم على تظاهر أو اعتصام سواء أكان التحريض قولا أم فعلا, وبالإشارة أم بالكتابة أم الرسم أم بأية وسيلة أخرى, ولو لم يؤدي التحريض إلى وقوع التظاهر أو لاعتصام أو بالفعل
المادة الثالثة : يجازى بالسجن لمدة لا تقل عن سنتين كل من استعمل القوة أو الضرب أو الإرهاب أو التهديد أو الإتلاف أو غير ذلك من وسائل العنف غير المشروعة سواء أكان ذلك بقصد تسهيل ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين السابقتين أم كان بقصد منع المستخدمين والعمال { المشار إليهم في المادتين المذكورتين } من الاستمرار في العمل أو إكراههم على التوقف عنه, أم بقصد إجبار القائمين على إدارة الشركات والمؤسسات المشار إليها في المادتين السابقتين, على استخدام أو الامتناع عن استخدام أحد من المستخدمين أو العمال أو على التوقف عن العمل
ويجازى بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات كل من حرض غيره بقول أو فعل وبالإشارة أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى على ارتكاب إحدى الجرائم المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة ولو لم يترتب على التحريض وقوع الجريمة بالفعل
المادة الرابعة : يجوز للآجر أن يفصل المستخدم أو العامل الذي جوزي على ارتكاب إحدى الجرائم المشار إليها في المواد الثلاث السابقة
المادة الخامسة : لأمير المنطقة المختصة أن يقرر عند اللزوم إلزام الآجر بفصل أي مستخدم أو عامل جوزي على ارتكاب إحدى الجرائم المشار إليها في المواد 1-2-

الأحد، مارس 06، 2011

ملخص كتاب غياث الأمم

بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص/ غياث الأمم في التياث الظلم للإمام أبو المعالي الجويني
إعداد /داود بن عبد العزيز محمد الداود
إشراف الدكتور/سعد بن مطر العتيبي
المعهد العالي للقضاء/ قسم السياسة الشرعية /التعليم الموازي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين    وبعد
فمما من الله عليّ به الدارسة في المعهد العالي للقضاء قسم السياسة الشرعية و قد كلفت بتلخيص في مادة مدخل لسياسة الشرعية لكتاب غياث الأمم في التياث الظلم للإمام أبو المعالي الجويني رحمه الله و قد كان منهجي في ذلك :
1- المحافظة قدر الإمكان على عبارة المؤلف مع بقاء الفكرة الأساسية .
2-المحافظة على أبواب و فصول الكتاب بنفس مسمياتها وخاصة ما يخدم الموضوع
3- إذا رأيت أن المؤلف اسهب في فكرة و هو بعيدة عن موضوع الكتاب تجاوزتها
4-لم أخرج نصوص الكتاب لأن العمل تلخيص و ليس تحقيق.
5- التقليل قدر المستطاع من الخلافات و الاقتصاؤ في الغالب على رأي المؤلف.
---------------------------------------------
 قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني رحمة الله عليه:الحمد لله القيوم الحي الذي بإرادته كل رشد وغي ، وبمشيئته كل نشر وطي ، قد تقدم الكتاب النظامي محتويا على المعجب فيه القدوة و الحكمة لمن طلبها، سليما من العيوب مشوقاً  و صادف مرتعا خصيبا عند صاحب التأليف.ثم  كان ضمن الخادم خدمة الساحة النظامية بكتاب آخر هو لعمرو الله كتاب عظيم لم يجر بمثله ذكر ولم يحوم عليه نظم ولا نثر و أنبه على علو قدره وكم أكننته في الصدر حتى نضج مستخدم السيف والقلم ولكل كتاب معمود ومقصود .
فأقول أقسام الأحكام وتفاصيل الحلال والحرام في مباغي الشرع ومقاصده ومصادره وموارده يحصرها قسمان ويحويها في متضمن هذا المجموع نوعان : أحدهما ما يكون ارتباطه وانتياطه بالولاة والأئمة وذوى الأمر من قادة الأمة والثاني ما يستقل به المكلفون ويستبد به المأمورون المصرفون وأنا بعون الله وتوفيقه أذكر في القسم الأول في صفة الأئمة والولاة والراعاة والقضاة أبوابا منظمة وهي  مقدمة في حكم التوطئة والبداية ثم  القسم الثاني وأبين أن المستند المعتضد في الشريعة نقلتها و حملتها وهم أهل الاجتهاد و التقوى والسداد فهم العماد فلو شغر الزمان عنهم ما معتصم العباد إذا طما بحر الفساد واستبدل الخلق الإفراط والتفريط عن منهج الاقتصاد وبلى المسلمون بعالم لا يوثق لفسقه وزاهد لا يقتدى به لخرقه  أيبقى بعد ذلك مسلك في الهدى أم يموج الناس بعضهم في بعض مهملين سدى متهافتين على مهاوي  عم من الولاة جورها وزاد احتياطهم وكثر انتماء القراء إلى الظلمة . و تسمية الكتاب فهو غياث الأمم إلى التياث الظلم فليشتهر بالغياثي .
كتاب الإمامة : وهي ثمانية أبواب
الباب الأول :  في معنى الإمامة ووجوب نصب الأئمة وقادة الأمة
الإمامة رياسة تامة وزعامة عامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا مضمنها حفظ الحوزة ورعاية الرعية وإقامة الدعوة بالحجة والسيف.
فنصب الإمام عند الإمكان واجب وذهب عبد الرحمن بن كيسان إلى أنه لا يجب ويجوز ترك الناس لا يجمعهم ضابط ولا يربط شتات رأيهم رابط   و بسبب هذا نشبت الخصومات واستحوذ على أهل الدين ذوو العرامات وتبددت الجماعات. والذي صار إليه جماهير الأئمة  وجوب النصب مستفاد من الشرع. وذهبت شرذمة من الروافض بوجوب نصب الإمام واستقصاء القول في استحالة تلقي الأحكام من أساليب العقول وهي أخذت مذهبها وتلقت مطلبها من مصيرها إلى أن الله تعالى جده يجب عليه استصلاح عباده وزعموا أن الصلاح في نصب الإمام .
    ومن وفق للرشاد واستن في منهج السداد علم أن الأديان والملل والشرائع والنحل أحوج إلى الأنبياء المؤيدين بالمعجزات إلى الأئمة فإذا جاز خلو الزمان عن النبي وهو معتصم دين الأمة فلا بعد في خلوه عن الأئمة ولو رددنا إلى العقول لم يبعد أن يهلك الله تعالى الخلائق ويقطعهم في الغوايات .
الباب الثاني : في الجهات التي تعين الإمامة وتوجب الزعامة
فصل : في القول في النص وفي حكم ثبوته وانتفائه
 لو ثبت النص من الشارع على إمام لم يشك مسلم في وجوب الإتباع على الإجماع فإن بذل السمع والطاعة للنبي واجب باتفاق الجماعة وإن لم يصح النص فاختيار من هو من أهل الحل والعقد كاف في النصب والإقامة وعقد الإمامة و قد ذهبت الإمامية من الروافض إلى أن النبي  نص على علي رضي الله عنه في الإمامة وتولي الزعامة   ثم تحزبوا أحزابا فذهبت طوائف منهم إلى أن الرسول  نص على خلافته على رؤوس الأشهاد نصا قاطعا لا اجتهاد معه كقوله من كنت مولاه فعلى مولاه وقوله لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلى غيرهما وذهب فرق من الزيدية إلى أن الرسول  ما نص على معين في الخلافة ولكنه ذكر  الصفات التي تقتضي الإمامة استجماعها فكانت متوافية في علي دون من عداه .
ثم تشوفت طائفة من المنتمين إلى السنة إلى ادعاء النص على أبي بكر وصار صائرون يعرفون بالعباسية إلى أنه نص على عمه العباس وخصصه بالإمامة من بين سائر الناس وإذا استندت المذاهب إلى الدعاوى لاحت الحقائق وانزاحت الغوائل وحصحص الحق وزهق الباطل فالذي يقتضيه الترتيب إيضاح الرد على أصحاب النص ثم إتباع ما عداه من الآراء فنقول النص الذي ادعيتموه بلغكم بالتواتر؟ أم تناقله معينون فإن زعموا أنه منقول تواترا قيل لهم كيف اختصصتم وأنتم الأذلون والأقلون بهذا الخبر دون مخالفيكم وكيف فيكم مع استواء الكافة في بذل المجهود في طلبه  ولسنا نذكر ذلك للاختيار ولكن المذاهب الفاسدة إذا تعارضت تناقضت وترافضت وبقي الحق المبين والمنهج المتين أبلج    وإن زعموا أن النص نقله آحاد فإنه لا يعصمون عن الزلل بل يتعرضون لإمكان الخطأ   ثم لا يسلمون عن معارضتهم بنقيض ما اتخذوه معتصمهم من ادعاء النص على أبي بكر أو العباس وغيرهما رضي الله عنهم  و نستاقكم إلى المحجة الغراء بالحجة البيضاء فما اطرد به العرف فلو قدم حاكم على بلد لاستحال أن ينقل ذلك آحادا فيالله العجب لم يخف إبتعاث رسول الله  ولاته وسعاته وندبه لجمع مال الله جباته فشاعت  توليته معاذا أو عتاب ابن أسيد ومن سواهما ووقعت توليته عليا عهد الإمامة في المتاهات؟ ولما اجتمع صحب رسول الله  يوم السقيفة لتقديم زعيم وتعيين خليفة وتفرقت الآراء وتشتت الأهواء وتناوش الأوس والخزرج و رجعوا إلى قول المصطفى قدموا قريشا ولا تقدموها وقوله الأئمة من قريش فلم يبد ناصبوه لما ظهر المنهاج خلافا فاتفقت للصديق البيعة فلو كان استفاض فيهم نصبه عليا ويتركون نصاً صاحب الشرع  فاستبان أن النص لو كان لاستحال فيه الخفاء والكتمان  فوضح بمجموع ما ذكرناه أن الأمر أمران  أحدهما بطلان مذهب من يدعى العلم بالنص من غير حاجة إلى بحث ونظر وفحص والثاني القطع على الغيب بأنه لم يجر من رسول الله  تولية ونصب  ونحن الآن نعضد الكلام بواضحة فنقول  لو ساغ تقدير الكتمان في الأمور الخطيرة لجر ذلك أمورا عدة ولاتجه للملحدين أن يقولوا قد عورض القرآن ثم تغشاه الكتمان وأطبق على إخفائه أهل الإيمان  وهذا كله مسلك الكلام على من ادعى نصا على رؤس الأشهاد غير الألفاظ التي نقلها الأفراد فأما قوله  من كنت مولاه فعلي مولاه فالكلام على هؤلاء من وجوه أحدها إنا نقول هذا اللفظ وما عداه وسواه نقله معدودون من الرواة وهم عرضة الزلل    فأما قوله  من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى من الألفاظ المشتركة المرددة فيطلق والمراد به ابن العم والمعتق والمعتق ويراد به الناصر وقد قيل جرت مفاوضة ومخاوضة بين علي وزيد مولى رسول الله  فقال علي لزيد أنا مولاك فقال زيد بل مولاي رسول الله فلما بلغ رسول الله  ما جرى قال من كنت مولاه فعلي مولاه.   
 ومما تمسك به هؤلاء ما روي عن النبي  أنه قال لعلي رضي الله عنه أنت مني بمنزلة هارون من موسى وهذه اللفظة فيه تعارض فهارون عليه السلام كان من المرسلين ومات هارون قبل موسى  بسنين فلم يخلفه بعد وفاته فلم يكن علي من رسول الله  بمثابة هارون من   موسى في شيء من حاليه نعم كان علي وزره ونصيره كما كان هارون ردء موسى وظهيره فإذا جرى الكلام في معرض الاستبهام لم يسع الاعتصام به في الاجتهاد فكيف الظن بنصب الإمام وقد صح ورود هذا اللفظ وهو أنه  لما هم بغزوة تبوك استخلف على المدينة عليا فعظم علي على تخلفه من رسول الله  في غزاته وربط رسول الله  على قلبه وخفف من كربه وقال قد استخلفتك على أهلي كما استخلف هارون موسى ثم نعارضهم ببعض ما صح عن سيد البشر في أبي بكر وعمر رضي الله   عنهما قال  لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدمهم غيره وقال يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر وقال اقتدوا باللذين من بعدي أبا بكر وعمر  واستخلف أبا بكر في إقامة الصلاة في مرضه التي توفي منها فقال صحب رسول الله  ورضي عنهم في تقدم أبي بكر رضي الله عنه رضية رسول الله أمامنا لدينا أفلا نرضاه لدنيانا   فقد بطل ادعاء النص ووضح بطلان مذهبهم .
ونحن بعد نقول اتفق المنتمون إلى الإسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الإمامة ثم أطبقوا على أن سبيل إثباتها النص والاختيار وقد تحقق بطلان مذاهب أصحاب النصوص فلا يبقى بعد هذا التقسيم والاعتبار إلا الحكم بصحة الاختيار فأما أبو بكر فقد تواترت البيعة له يوم السقيفة وكان عمر ولي عهده وتعين عثمان من الستة المذكورة في الشورة بالبيعة ولما انتهت النوبة إلى علي رضي الله عنه طلب البيعة فأول من بايعه طلحة والزبير والإجماع هو المعتصم الأقوى والمتعلق الأوفى و محل تعلقنا بالإجماع أن الهم بالبيعة والإقدام عليها في الزمان المتطاول كان أمرا جازما يستند إليه مقاليد الولايات قبل استمرارها ويربط به عقد الولاية  قبل استقرارها ثم تناقله الخلائق و لم ينكره احد من الصحابة والله الموفق للصواب .
الباب الثالث : في صفات الذي هم من أهل عقد الإمامة وتفصيل القول في عددهم
    الفصل الأول : في صفات الذين هم من أهل عقد الإمامة
    و لا بد من تنبيه للإحاطة به فنقول أن معظم الخائضين في هذا الفن يبغون مسلك القطع في مجال الظن وهذا الكتاب على الجملة قليل الجدوى عظيم الخطر ونحن بتوفيق الله نذكر فيه معتبرا يتميز به موضع القطع عن محل الظن فنقول العلم يتلقى من العقل أو الشرع  والقواطع الشرعية ثلاثة نص من كتاب الله لا يتطرق إليه التأويل وخبر متواتر عن الرسول لا يعارض إمكان الزلل روايته ونقله ولا يقابل الاحتمالات متنه وأصله وإجماع منعقد فإذا لا ينبغي أن يطلب مسائل الإمامة من أدلة العقل بل يعرض على القواطع السمعية و لا  نص من كتاب الله تعالى والخبر المتواتر في ذلك فآل مآل الطلب في تصحيح المذهب إلى الإجماع فكل مقتضى ألفيناه معتضد بإجماع السابقين فهو مقطوع به وكل ما لم يصادف فيه إجماعا فهو ظن وليست الإمامة من قواعد العقائد بل هي ولاية تامة عامة ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة والآن نبدأ بتفصيل صفات أهل العقد والاختيار. 
 فصل  
         فما نعلمه إن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة فإنهن ما روجعن قط ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة رضي الله عنها ثم نسوة رسول الله أمهات المؤمنين وكذلك لا يناط هذا الأمر بالعبيد وإن حازوا قصب السبق في العلوم ولا تعلق له بالعوام الذين لا يعدون من العلماء ولا مدخل لأهل الذمة في نصب الأئمة فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء فهذا مبلغ العلم في هذا الفصل.   
       فأما المظنون به فقد ذهب طوائف من أئمة أهل السنة إلى أنه لا يصلح لعقد الإمامة إلا المجتهد المستجمع لشرائط الفتوى وذهب القاضي الباقلاني إلى أنا لا نشترط بلوغ العاقد مبلغ المجتهدين بل يكفي أن يكون ذا عقل وكيس وبصيرة متقدة بمن يصلح للإمامة فيما يشترط استجماع الإمام له من الصفات فأما من لم يستجمع خصال المفتين فنقول الغرض تعيين قدوة و لو لم يكن  لأوشك أن يضع في غير محله ويجر ضررا بسوء اختياره ولهذا لم يدخل في ذلك العوام ومن لا يعد من أهل البصائر والنسوان لازمات خدورهن ولذلك ذهب معظم العلماء إلى أنهن لا يستقللن بأنفسهن في التزويج والعبيد لا رأي لهم  فأما الأفاضل المستقلون المحنكون فيكفي فيهم الدربة التامة مع الكيس في صفات المقومات ويقع الاجتزاء في القسام بمعرفة الحساب والمساحة وكيفية تعديل السهام ويراعى في الخارص ما يقتضيه حاله وإذا بعثنا إلى الزوجين وقد شجرت بينهما المنازعة ونشبت الخصومة والمدافعة واعتاص الظالم منها حكمين كما أشعر به نص القرآن لم يشترط أن يكونا مجتهدين بل يكفي علمهما بحقوق النكاح وأما من شرط كون العاقد مفتيا فمعتصمه أنا نشترط أن يكون الإمام مجتهدا ولا يحيط بالمجتهد إلا مجتهد والذي يوضح المقصد منه أن على المستفتي لا يعول فيما يبغيه من الأحكام إلا على ما يراه مجتهدا.
 الفصل الثاني    :   في ذكر عدد من إليه الاختيار والعقد  
        فنقول مما نقطع به أن الإجماع ليس شرطا في عقد الإمامة بالإجماع والذي يوضح ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه صحت له البيعة فقضى وحكم وأبرم وأمضى وجهز الجيوش ولم ينتظر انتشار الأخبار في الأقطار لتقرير البيعة لذلك علمنا أن الغرض من نصب الإمام حفظ الحوزة والاهتمام بمهمات الإسلام ومعظم الأمور الخطيرة لا يقبل المكث ولو أخر النظر فيه لجر ذلك خللا لا يتلافى فاستبان من وضع الإمامة استحالة اشتراط الإجماع في عقدها فهذا هو المقطوع به.
 و أما ما نراه مجتهدا فيه فذهب بعض العلماء إلى أن الإمامة تنعقد ببيعة اثنين من أهل الحل والعقد واشترط طوائف عدد أكمل البينات في الشرع وهو أربعة وذهب بعض من لا يعد من أحزاب الأصوليين إلى اشتراط أربعين وهو عدد الجمعة عند الشافعي رضي الله عنه وهذه المذاهب لا أصل لها من مأخذ الإمامة . و لست أرى أن أحكم بها في مواقع الظنون ومظان الترجيح و إذا لم يقم دليل على عدد لم يثبت العدد والإجماع ليس شرطا فانتفى الإجماع بالإجماع وبطل العدد بانعدام الدليل عليه فلزم المصير إلى الاكتفاء بعقد الواحد كما ذكر شيخنا وظاهر قول القاضي يشير إلى أن ذلك مقطوع به وهذا وإن كان أظهر المذاهب في ذلك فلسنا نراه بالغا مبلغ القطع و الذي أراه والوجه عندي في ذلك أن نعتبر في البيعة من تحصل بهم شوكة ظاهرة ومنعة قاهرة بحيث لو فرض  ثوران خلاف لم يغلبوا والشوكة وإنما اضطربت المذاهب في ذلك لوقوع البيعة لأبي بكر مبهمة من غير اختصاص بعدد. 
    الباب الرابع :  في الصفات المرعية للإمام تنقسم أقساما     
     فمنها ما يتعلق بالحواس فأما البصر فلا خلاف في اشتراطه لأن الأعمى ليس له استقلال بما يخصه من الأشغال فكيف يتأتى عظائم الأعمال ولا يميز بين الأشخاص في التخاطب وانعقاد الإجماع يغني عن الإطناب ومما يشترط من الحواس السمع فالأصم الأصلح الذي يعسر جدا إسماعه لا يصلح لهذا المنصب العظيم لما سبق تقريره في البصر ولا يضر الوقر والطرش كما لا يضر كلال البصر والعمش      وما يلتحق بما ذكرناه نطق اللسان فالأخرس لا يصلح لهذا الشأن   وأما حاسة الشم والذوق وما في معناها مما يرتبط بنقصان الأعضاء فكل ما لا يؤثر فلا يضر فقده و كذا  المجبوب والخصي لما سبق ذكره     وأما ما يؤثر عدمه كفقد الرجلين واليدين فالذي ذهب إليه معظم العلماء فكالعمى و إن كان يسهل حمله ودعت الحاجة فلا بأس واختلف الفقهاء في قطع إحدى اليدين والرجلين والظاهر عندي إن كان يستمسك على المراكب فلا أثر للنقص الذي به مع صحة العقل والرأي فأما ما يشين المنظر كالأعور وجدع الأنف فالذي أوثره القطع بأن هذا لا أثر له وذهب بعض المتطرفين الشاذين إلى أن ذلك يؤثر في منع عقد الإمامة من جهة أنه ينفر وهذا باطل قطعا .
     فأما الصفات اللازمة فمنها النسب فالشرط أن يكون الإمام قرشيا و خالف  ضرار بن عمرو و لا يعتبر خلافه و نقل الرواة عن النبي  أنه قال الأئمة من قريش وذكر بعض الأئمة أن هذا الحديث في حكم المستفيض المقطوع بثبوته لشهرته لكن نقله لم يتواتر لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة لكن السابقين جعلوا الأئمة من قريش ولم يتشوف قط أحد من غير قريش إلى الإمامة على تمادي الأحيان وتطاول الأزمان مع قدرت بعضهم  ولكن خص الله هذا المنصب بأهل بيت النبي فكان من فضل الله يؤتيه من يشاء . ومن الصفات اللازمة المعتبرة الذكورة والحرية و نجيزة العقل والبلوغ ولا حاجة إلى الإطناب في نصب الدلالات على إثبات هذه الصفات ومما يلتحق بهذا القسم الشجاعة والشهامة والرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني فأما الصفات المكتسبة المرعية في الإمامة فالعلم والورع وسنلحق بهما بعد تحقيق القول فيهما صفة ثالثة فأما العلم فالشرط أن يكون الإمام مجتهدا ولم يؤثر فيه خلاف لأهميته فيه ولو قيل إنه يراجع المفتي مراجعة آحاد الناس المفتين لكان ذلك محالا فإن الوقائع التي ترفع إلى الإمام في الخطوب الجسام ولو جاز ذلك لساغ أن لا يكون الإمام ذا كفاية ثم يراجع بها وهذا لا قائل به فإن قيل كان أصحاب رسول الله  إذا وقعت واقعة وألمت به ملمة اشتوروا نقول ندب الله رسوله  إلى الاستشارة فقال ( وشاورهم في الأمر) و الإمام لا يستغني عن عقول الرجال وسر الإمامة استتباع الآراء وجمعها على رأي صائب . فأما التقوى و الورع فلا بد منهما إذ لا يوثق بفاسق في الشهادة فكيف يولي أمور المسلمين كافة وكالأب الفاسق لا يولى على مال ولده . فأما الصفة الثالثة توقد الرأي في عظائم الأمور وهذه الصفة ويهذبها التدريب والغرض من الإمامة جمع شتات الرأي.     
     فنحل من مجموع هذه الأوصاف أن الصالح للإمامة هو الرجل الحر القرشي المجتهد الورع ذو النجدة والكفاية ويمكن رد هذه الصفات إلى شيئين فيقال المرعى الاستقلال والنسب ويدخل تحت الاستقلال الكفاية والعلم والورع والحرية والذكورة تدخل أيضا فإن المرأة مأمورة بأن تلزم خدرها ومعظم أحكام الإمامة تستدعي الظهور والبروز فلا تستقل المرأة إذن   فهذا منتهى ما أردنا في ذلك
الباب الخامس       الطوارئ التي توجب الخلع والانخلاع
إن كل ما يناقض صفة مرعية في الإمامة ويتضمن انتفاءها فهو مؤثر في الخلع والانخلاع وهذا لا محالة معتبرا الباب ولكن لتفصيل فنقول لو فرض انسلال الإمام عن الدين لم يخف انخلاعه فلو جدد إسلاما لم يعد إماما إلا أن يجدد اختياره ولو جن جنونا مطبقا انخلع وكذلك لو ظهر خبل في عقله وعته في رأيه فإنه ينعزل كما ينعزل المجنون لإنه ينافي مقصود الإمامة القيام بها و قد ذهب طوائف من الأصوليين والفقهاء إلى أن وجب انخلاع الإمام كالجنون ولا خلاف أن الإمام لو طرأ عليه مرض ولكنه كان مرقوب الزوال لم نقض بانخلاعه ومن تشبثه به فبالاتفاق. وذهب طوائف من العلماء إلى أن الفسق بنفسه لا يتضمن الانخلاع ولكن يجب على أهل الحل والعقد إذا تحقق خلعه خاصة إذا فشى. والذهاب إلى الانخلاع بعد الاستمرار والاستتباب مع التعرض للزلات مفسد لقاعدة الولاية ولو كان القائم بأمور المسلمين يتعاطى على الدوام ما هو من قبيل الكبائر كالشرب ولكنه كان مثابرا على رعاية المصالح فالقول في ذلك لا يبلغ مبلغ القطع عندي إذ كانت عثرة فإنها لم تجر خبالا ولم تتضمن سوء الظن وإذا تتابع فن من العصيان أشعر باجتراء الإمام واستهانته بأحكام الإسلام وذلك يسقط الثقة بالدين ويمرض قلوب المسلمين  وهذا مظنون غير مقطوع به و فيما تقدم أن مسائل الإمامة بعضها مقطوع به وبعضها يتلقى من طرائق الظنون.   
فصل:  فالقول الضابط في الخلع و الانخلاع أن ما ظهر بعد زواله فهو موجب له وما احتيج فيه إلى نظر وعبر لم يتضمن بنفسه انخلاعا ووقوع الإمام في الأسر مع إنه مقطوع به لا أراه مقتضيا انخلاعا .  
فصل:الإمام إذا لم يخل عن صفات الأئمة فرام العاقدون له عهدا أن يخلعوه لم يجدوا إلى ذلك سبيلا باتفاق الأمة فإن عقد الإمامة لازم لا اختيار في حله .
  وذهب ذاهبون إلى أن الإمام له أن يخلع نفسه واستمسك بها صح تواترا واستفاضة من خلع الحسن بن علي نفسه وكان ولي عهد أبيه ولم يبد من أحد نكير عليه  والحق اعندي أن الإمام لو علم أنه خلع نفسه لاضطربت الأمور وتزلزت فلا يجوز أن يخلع نفسه وإن علم أن خلعه نفسه لا يضر المسلمين بل يطفئ نار ثائرة ويدرأ فتنا ويحقن دماء في أهبها ويريح طوائف المسلمين عن نصبها فلا يمتنع أن يخلع نفسه .
فصل :  فأما من يوليه العهد بعد وفاته فإن أبا بكر خليفة رسول الله  لما عهد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما و ولاه الإمامة بعده لم يبد أحد من صحب رسول الله  نكيرا ثم كافة علماء الدين على ذلك وأصل العهد ثابت باتفاق أهل الحل والعقد و الإمام تنفذ توليته وتشترط صفات الأئمة في المعهود إليه فإنه إمام حقا ويبدأ زمانه وسلطانه إذا قضى الإمام الذي تولى نصبه نحبه و الإمام لو عهد إلى ولده أو والده ففيه اختلاف العلماء و الظاهر عندي تصحيح تولية العهد من الوالد لولده.
ومن الأحكام المشكلة في سبل الظن في هذا الفن أن المعهود إليه متى يدخل وقت قبوله العهد اختلف العلماء في ذلك فذهب ذاهبون إلى أنه يدخل أو أن القبول بموت المولى كما يدخل وقت قبول الوصاية بموت الموصي ووجه ذلك أنه لا يملك المولى صاحب العهد إحكام الإمامة ولا يستقل بالإيالة والسياسة ما دام المولي العاهد حيا فلا معنى للقبول في حال حياته كالوصاية وصار صائرون إلى أنه يقبل في حياة العاهد فإن تولية العهد من عظائم الأمور وإنما يعهد الإمام إلى مستجمع لشرائط الإمامة نظرا للمسلمين واستيثاقا في الدين وسكونا إلى إعداد وملاذ وركونا إلى اعتاد وإنما يتم هذا الغرض بأن يلزم التولية في حياته فتقدر وفاة والإمام فينجر في الإمامة أذيالها ولا يتبتر أحوالها وينبني على هذا الخلاف أمر خلع المعهود إليه فمن أخر القبول إلى ما بعد الموت ملك المولي صرف المعهود عليه كما يصرف الموصي الموصى إليه ومن نجز القبول منه خلع المعهود إليه من غير سبب يقتضيه وصير الإمام العاهد كالمختار العاقد ومعلوم أن من صح منه عقد الإمامة من أهل الاختيار لم يملك الخلع على حكم الإيثار فكذلك القول في المولى العاهد مع المعهود إليه و ينقدح في ذلك للخلاف وجه فإن الإمامة ما تمت بعد لولي العهد بخلاف من عقد له الإمامة أهل الاختيار والأظهر منع الخلع من غير سبب يوجبه. ولو عين الإمام من ليس على شرائط الإمامة ولم يكن في حالة التولية على استجماع الصفات المرعية فالوجه بطلان التولية من جهة أنه أساء في الاختيار والغرض من العهد تنجيز نظر وكفاية للمسلمين هواجم خطر عند موت المولى . ومن قال من يصلح للخلافة إذا أفضت الخلافة إلي فولي عهدي فلان ثم انتهت إليه النوبة لم يكن لما صدر منه قبل الخلافة وقع في الشرع وهذا متفق عليه على البت والقطع فإنه تصرف وليس إليه من الأمر و لو جعل الإمامة شورى بين محصورين صالحين للزعامة فالأمر ينحصر فيه والمستند القطعي فيه ما جرى لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إذ جعل الأمر مفوضا بين الستة المشهورين فإذا اتفق مثل ذلك من إمام فتعيين واحد من المذكورين إلى من جعل الإمام التعيين إليه وإن لم يفوض التعيين إلى أحد فإلى أهل الاختيار أن يعينوا أفضل المذكورين . ولو رتب العاهد التولية في مذكورين صالحين للأمر فقال ولي العهد فلان فإن مات في حياتي ففلان فإن اخترمته المنية قبل موتي ففلان فهذا صحيح وعهده متبع فإن ذكر صالحين للأمر ورأى أن يرتب مراتبهم فليس ما جاء به منافيا للنظر للمسلمين فلزم تنفيذه وهذا متفق عليه لا خلاف فيه بما كان من أمر سول الله  في أمراء جيش مؤتة فإنه قال صاحب الراية زيد بن  حارثة فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب فعبد الله بن رواحة فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا منهم ولو قال العاهد الإمام بعدي فلان ثم الإمامة بعده لفلان ثم الإمامة بعده لفلان فرتب الخلافة في مذكورين متهيئين معينين للإمامة بعد وفاته فأما المعين للأمر أولا فتفضى الخلافة إليه فإن مات ففي إفضاء الخلافة إلى المذكورين بعده خلاف وليس ذلك كذكره مترتبين في حياته عند تقدير وفاتهم يترتبون على تقديره مع استمرار سلطانه وامتداد زمانه.
   و منصب الوزير القائم مقام الإمام في تنفيذ الأحكام فإن نظره يعم عموم نظر الإمام ولكن يجب أن يراجع الإمام في مجامع الخطوب لا يبلغ اشتراط بلوغه مبلغ المجتهدين وليس إليه من الولاية شيء فلا يشترط فيه إلا أمران  أحدهما أن يكون موثوقا به والثاني الفطنة والكياسة فإن عظائم الأمور لا يدرك معانيها لينقلها إلا فطن ولا يضر أن يكون صاحب هذا المنصب عبدا مملوكا وذكر مصنف كتاب بالأحكام السلطانية إن صاحب هذا المنصب يجوز أن يكون ذميا وهذه عثرة ليس لها مقيل قال الله تعالى ( لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ) واشتد نكر عمر على أبي موسى الأشعري لما تخذ كاتبا نصرانيا . والاستنابة في بعض الأمصار الأعمال لا بد من ربطها بالحاكم وفي جميعهم يشترط الديانة والثقة والكفاية.
و تولية القضاء فالذي يؤثره الشافعي رضي الله عنه ومعظم الأئمة أنه يشترط أن يكون المتولي للقضاء مجتهدا ولم يشترط أبو حنيفة رحمه الله ذلك وجوز أن يكون مقلدا. و في حق بعض المستنابين فالإمام إذا طرأ عليه عارض و اختل شرط أن يخلعه.
الباب السادس       في إمامه المفضول        
  و قد صار طوائف إلى تجويز عقد الإمامة للمفضول مع التمكن من العقد للأفضل الأصلح وذهب معظم المنتمين إلى الأصول من جملة الأئمة إلى أن الإمامة لا تنعقد للمفضول مع إمكان العقد الفاضل ومسلك الحق المبين أن لا خلاف  إذا عسر عقد الإمامة للفاضل و لم قدم لاشرأبت الفتن واقتضت مصلحة المسلمين تقديم المفضول يقدم.
 فلو فرضنا مستجمعا  للشرائط بالغا في الورع الغاية القصوى وقدرنا آخر أكفا منه وأهدى إلى طرق السياسة والرياسة وإن لم يكن في الورع مثله فالأكفئ أولى بالتقديم . 
  
الباب السابع       في منع نصب إمامين     
   إذا تيسر نصب إمام واحد وهذا متفق عليه لا خلاف فيه ولما استتبت البيعة لخليفة رسول الله  أبي بكر الصديق ثم استمرت الخلافة إلى منقرض زمن الأئمة رضي الله عنهم .
و قد صار صائرون إلى تجويز نصب إمام في القطر الذي لا يبلغه أثر نظر الإمام وعزى إلى شيخنا أبي الحسن والأستاذ أبي إسحق الإسفراييني وغيرهما وابتغى هؤلاء المصلحة وهذا ظاهر وأنا أقول فيه لست أنكر تجويز نصبهما على حسب الحاجة ونفوذ أمرهما على موجب الشرع ولكنه زمان خال عن الإمام
 و لو اتفق نصب إمامين في قطرين وكانا صالحين للإمامة مستجمعين للصفات المرعية وعقد لكل واحد الإمامة على حكم العموم ولم يشعر العاقدون في كل ناحية بما جرى في الناحية الأخرى      ولكن بين كل قوم ما أنشؤوه من الاختيار والعقد على أن يتفرد من اختاروه بالإمامة فإن اتفق ذلك فلا شك أن لا تثبت الإمامة لهما ويبتدئ أهل الاختيار عقد الإمامة لمستصلح لها وإن تقدم أحد العقدين فهو النافذ والمتأخر مردود وإن غمض التاريخ وعسر إثبات المتقدم منها بالبينة كان كما لو تحققنا وقوع العقدين معا ولا سبيل إلى ترك الأمر مبهما مع تحقيق اليأس من الاطلاع على تاريخ الإنشاء.
  الباب الثامن   :    تفصيل ما إلى الأئمة والولاة   
    قيض الله أولي الأمر ليوفروا الحقوق لمستحقيها ويبلغوها ذويها ويكفوا المعتدين ويعضدوا المقتصدين ويشيدوا مباني الرشاد ويحسموا معاني الفساد فتنتظم الدنيا ويستمد منها الدين الذي إليه المنتهى.
فأما اختلاف العلماء في فروع الشريعة ومسالك التحري والاجتهاد فعليه درج السلف الصالح وانقرض صحب رسول الله  الكرام واختلافهم سبب المباحثة عن أدلة الشريعة وهو منة من الله تعالى ونعمة.
والذي أذكره يليق بمقصود الكتاب أن الذي يحرص الإمام  فيه جمع العامة  على مذهب السلف الصالح.
وما كانوا ينكفون رضي الله عنهم عما تعرض له المتأخرون عن عي وتبلد في القرائح وما كانوا يرون الخوض في الدقائق ولا كانوا يدعون إلى التسبب إليها بل كانوا يشتدون على من يفتح الخوض فيها.
    و أعلم أن التعرض لحسم البدع من أهم ما يجب على الإمام الاعتناء به .الدعاء إلى الدين الحق مسلكان أحدهما الحجة وإيضاح المحجة والثاني الاقتهار بغرار السيوف وإيراد الجاحدين الجاهرين مناهل الحتوف والثاني مرتب على الأول وينبغي أن نتحيز لذلك فطنا لبيبا بارعا فإن لم تنجح الدعوة قاتلهم.
و على الإمام بذل كنه الاجتهاد ومنابذة أهل الكفر ليحفظ خطة الإسلام .    
فالتقسيم الأولي فيما يتعلق بأمر كلي فهو نقض بلاد الإسلام عن أهل العرامة والمتلصصين والمترصدين للرفاق فيجب على الإمام صرف الاهتمام إلى ذلك حتى تنتفض البلاد عن كل غائلة وأما ما يرتبط بالجزئيات فيحصره ثلاثة أقسام    أحدها فصل الخصومات الثائرة وهذا يناط بالقضاة والحكام والقسم الثاني في نظره الجزئي في حفظ المراشد على أهل الخطة يكون بإقامة السياسات والعقوبات الزاجرة من ارتكاب الفواحش والموبقات والقسم الثالث القيام على المشرفين على الضياع بأسباب الصون والحفظ والإنقاذ فهذه جوامع ما يرعى به الإمام من في الخطة ثم لا يتأتى الاستقلال بهذا المنصب إلا بنجدة عظيمة يطبق الخطة ويفصل عنها فتقاذف إلى بلاد الكفار والنجدة بالرجال ويرتب الرجال بالعدد والأموال.   
والأموال التي تمتد يد الإمام إليها قسمان أحدها ما يتعين مصارفهوالثاني ما لا يتخصص بمصارف مضبوطة بل يضاف إلى عامة المصالح.
ومما يجب الإحاطة به أن معظم فروض الكفاية مما لا تتخصص بإقامتها الأئمة بل يجب على كافة أهل الإمكان أن لا يغفلوه ولا يغفلوا عنه كتجهيز الموتى ودفنهم والصلاة عليهم وأما الجهاد فموكول إلى الإمام ثم يتعين عليه إدامة النظر فيه فيصير أمر الجهاد في حقه بمثابة فرائض الأعيان والسبب فيه أنه تطوق أمور المسلمين وصار مع اتحاد شخصه كأنه المسلمون بأجمعهم و صار قيامه بها على أقصى الإمكان به كصلواته المفروضة التي يقيمها وأما سائر فروض الكفايات فإنها متوزعة على العباد في البلاد.
وأما اعتناء الإمام بسد الثغور فهو من أهم الأمور وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقلاع ويستظهر لها بذخائر الأطعمة ومستنقعات المياه وحفر الخنادق وضروب الوثائق واعتاد والأسلحة والعتاد .
       فأما فصل الخصومات فمن أهم المهمات ولولاه لتنازع الخلق وتمانعوا فليرتب الإمام القضاة.
   وأما زجر الغواة فزجر بنصب القتال وإلى إقامة العقوبات ا فأما القتال فالقول فيه يتعلق بقتال أهل البغي وتفصيل صفاتهم وحالاتهم ودفعهم عن البلاد التي احتووا عليها بتقديم العذر أولا وبالمباحثة و إن عرتهم شائبة الارتياب فإن أبوا آذنهم بحرب كل ذلك مذكور مشهور .  
و في أهل البدع إذا كثروا فيدعوهم الإمام إلى الحق فإن أبوا نهاهم عن إظهار البدع فإن أصروا سطا بهم عند امتناعهم عن قبول الطاعة وقاتلهم مقاتلة البغاة وهذا يطرد في كل من يعتزل إلى أهل الإسلام.
فأما العقوبات التي يقيمها على آحاد الناس فهي منقسمة إلى الحدود والتعزيرات فأما الحدود وهي بجملتها مفوضة إلى الأئمة والذين يتولون الأمور من جهتهم والقصاص في النفس والطرف فإن كان حق الآدمي فليس لمستحقيه استيفاؤه دون الرفع إلى الحاكم وأما التعزيرات فهي مفصلة في كتب الفقه.
       فأما الولاية فالسلطان ولى من لا ولي له من الأطفال والمجانين وهي تنقسم إلى ولاية الانكاح وحفظ الأموال واستيفاء الأموال والقول في الولايتين من فن الفقه فليطلبه طالبه من المستقلين به وأما سد الحاجات والخصاصات فمن أهم المهمات  فإن اتفق مع بذل المجهود في ذلك فقراء محتاجون لم تف الزكوات بحاجاتهم فحق على الإمام أن يجعل الاعتناء بهم من أهم أمر في باله فالدنيا لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسلمين في ضر فهذه الأموال التي يحويها يد الأمام مقررة عند الفقهاء والإمام يرى فيه رأيه و أغلق عليه اخذ برأي العلماء فإذا غلب ظنه مضي قدما وأمضي مقتضى رأيه و فيما حصل في عهد الخلفاء الراشدين خير دليل.
فأما الفصل الثالث وهو أهمها في ذكر ما يقتضيه الإيالة الشرعية والسياسة الدينية فيه إذا اصفرت يد راعي الرعية عن الأموال والحاجات ماسة كيف الحكم ؟ فلا بد من امرين إحداهما تعريض الخطة للضياع والثاني اخذ مال في غير استناد استحقاقه إلى مستند فبيانه بالاتي:
          فصل     إذا وطئ الكفار ديار الإسلام فقد اتفق حملة الشريعة على انه يتعين على المسلمين مدافعتهم و  على وجوب بذل الأموال  و يلحق به إذا لم  يطؤوها ولكنا نستشعر من جنود الإسلام اختلالا ونتوقع انحلالا.
         فأما وهو أن لا يخاف من الكفار هجوما لا خصوصا في بعض الأقطار ولا عموما ولكن الانتهاض إلى الغزوات والانتداب للجهاد والذي اختاره قاطعا به أن الأمام يكلف الأغنياء بذل فضلات الأموال ما يحصل به الكفاية والغناء فإن إقامة الجهاد فرض على العباد. 
       و ليس للإمام في شيء من مجاري الأحكام أن يتهجم ويتحكم فعل من يتشهى ويتمنى ولكنه يبني أموره كلها دقها وجلها عقدها وحلها على وجه الرأي والصواب في كل باب فلا يندب قوما للجهاد إلا إذا رأى تعينهم منهج الرشاد ثم يحزب الناس أحزابا ويجهل ندبهم إلى الجهاد ندبا كذلك ويجهز إلى كل حيل من الكفار من يليهم في صوب تلك الديار وهذا يغني وضوحه في طرق الإيالة عن الإطناب والإطالة.  
   والأمر في أخذ الأموال يجري على هذه الأحوال فيشير على الأغنياء بأن يبذلوا المال ما يقع به الاستقلال.        و لست أرى للإمام أن يمد يده إلى أموال أهل الإسلام ليبتني في كل ناحية حرزا ويقتني ذخيرة وكنزا ويتأثل مفخرا وعزاء ولكن توجه لدرور المؤمن على ممر الزمن ما سبق رسمه فإن استغنى عنه بأموال افاءها الله على بيت مال المسلمين كف طلبته على الموسرين.
فأما الفصل الثالث فمضمونه الرد على من يرى تعزير المسرفين الموغلين باتباع الشهوات واقتراف السيئات واتباع الهنات بالمصادرات من غير فروض افتقار وحاجات وهذا مذهب جد ردئ ومسلك غير مرضى فليس في الشريعة أن اقتحام المآثم يوجه إلى مرتكبها ضروب المغارم وليس في اخذ الأموال منهم أمر كلي يتعلق بحفظ الحوزة والذب عن البيضة وليس يسوغ لنا أن نستحدث وجوها في استصلاح العباد وجلب أسباب الرشاد لا أصل لها في الشريعة فإن هذا يجر خرما عظيما وخطبا
 
الركن الثاني       القول في خلو الزمان عن الأمام
الباب الأول       في انخرام الصفات المعتبرة في الأئمة
      قد تقدم قول شاف بالغ فيما يشترط استجماع الأمام له من الصفات ونحن الآن نفرض في تعذر آحادها وقد تقدم أن الانتساب إلى قريش معتبر في منصب الإمامة فلو لم نجد قرشيا يستقل بأعبائها ولم نعدم شخصا يستجمع بقية الصفات نصبنا من وجدناه عالما كافيا ورعا وكان إماما منفذا للأحكام على الخاص والعام ويستحيل أن يترك الخلق سدى فإذا عدم النسب لا يمنع نصب كاف ثم ينفذ من أحكامه ما ينفذ من أحكام القرشي ثم نشأ في الزمان قرشي على الشرائط المطلوبة فإن عسر خلع من ليس نسيبا أقررناه وان لم يتعذر خلعه فالوجه عندي تسليم الأمر إلى القرشي فإن هذا المنصب في حق المستحقين المعتزين إلى شجرة النبوة والذي قدمنا نصبه في منزلة المستناب عمن يجمع إلى فضائل الأسباب شرف الانتساب فإذا تمكنا من رد الأمر إلى النصاب ابتدرناه بلا ارتياب . فأما القول في فقد رتبة الاجتهاد فقد مضى أن استجماع صفات المجتهدين شرط الإمامة فلو لم نجد من يتصدى للإمامة في الدين ولكن صادفنا شهما ذا نجدة وكفاية واستقلال بعظائم الأمور على ما تقدم وصف الكفاية فيتعين نصبه في أمور الدين والدنيا وينفذ أحكامه كما ينفذ الأمام الموصوف بخلال الكمال المرعية في منصب الأمام و أئمة الدين وراء أرشاده وتسديده وتبين ما يشكل في الواقعات من أحكام الشرع والعلم وان كان شرطه في منصب الإمامة معقولا ولكن إذا لم نجد عالما فجمع الناس على كاف ويستفتى فيما يسنح ويعن له من المشكلات أولى من تركهم سدى فإن لم نجد كافيا ورعا متقيا ووجدنا ذا كفاية يميل إلى المجون وفنون الفسق فإن كان في انهماكه وانتهاكه الحرمات واجترائه على المنكرات بحيث لا يؤمن غائلته وعاديته فلا سبيل إلى نصبه وهذا نقيض الغرض المقصود بنصب الأئمة.
             والقول فيمن يستبد بالاستيلاء والاستعلاء من غير نصب ممن يصح نصبه فأما إذا كان المستظهر صالحا للإمامة فلا يخلو الزمان عمن هو من أهل الحل والعقد أو أن يكون في الزمان من يصلح للعقد والاختيار فإن كان الأول وكان الداعي إلى إتباعه على الكمال المرعى فإذا استظهر بالقوى وتصدى للإمامة كان إماما حقا وهو في حكم العاقد والمعقود له والدليل على ذلك أن الافتقار إلى الأمام ظاهر والصالح للإمامة واحد وقد خلا الدهر عن أهل الحل و العقد فلا وجه لتعطيل الزمان عن وال يذب عن الإسلام.
والثاني أن لا يمتنع من هو من أهل الاختيار ولكن هل يتوقف ثبوت الإمامة والأمر مفروض في اتخاذ من يصلح لها على العقد أو على العرض على العاقد الفن فذهب ذاهبون إلى انه لا بد من العقد فإنه ممكن وهو السبب في إثبات الإمامة والمرضي عندي انه لا حاجة إلى إنشاء عقد وتجريد اختيار وقصد والسبب فيه أن الزمان إذا اشتمل على عدد معين ممن يصلح لمنصب الإمامة فلا بد من اختيار معين واحدا منهم إذ ليس بعضهم أولى من بعض فلو لم نقدر اختيارا مع وضوح وجوب اتخاذ الأمام أفضى ذلك إلى النزاع والخصام فآثر للاختيار والعقد والإيثار إلى قطع الشجار وألا فليس الاختيار مفيدا تمليكا أو حاكما بأن العاقد في إثبات الإمامة يصير شريكا فإذا اتخذ في الدهر وتجرد في العصر من يصلح لهذا الشأن فلا حاجة إلى تعيين من عاقد وبيان والذي يوضح الحق في ذلك أن الأمر إذا تصور كذلك فختم على من إليه الاختيار عند من يراه . وقد قدمنا في أحكام الأئمة أن الإمام إذا انصرف الخلق عن متابعته ومشايعته كان ذلك كوقوعه في اسر يبعد توقع انفكاكه عنه . وهذا متجه عندي واضح والأول ليس بعيدا أيضا فإن قاعدة      الإمامة الاستظهار بالمنة والاستكثار بالعدة والقوة وهذا مفقود في الذي لم يطع فهذا أحد الفنين.             
والفن الثاني من الكلام أن آثر التقاعد والاستخلاء بعبادة الله مع علمه بأنه لا يسد أحد مسده كان ذلك عندي من اكبر الكبائر وان ظن ظان أن انصرافه وانحرافه سلامه كان ما حسبه باطلا قطعا والقيام بهذا الخطب العظيم إذا كان في الناس كفاءة في حكم فرض الكفاية فإذا استقل به واحد سقط الفرض عن الباقين فإذا توحد من يصلح له صار القيام به فرض عين.   
ولا يجوز عقد الإمامة لفاسق وان كانت ثورته لحاجة ثم زالت وحالت فاستمسك بعدته محاولا حمل أهل الحل والعقد على بيعته فهذا أيضا من المطاولة والمصاولة وحمل أهل الاختيار على العقد له بحكم الاضطرار وهذا ظلم وغشم يقتضي التفسيق لم يجز أن يبايع وإنما التصوير فيه إذا ثار كان لحاجة ثم تألبت عليه جموع لو أراد أن يتحول عنهم لم يستطع وكان يجر محاولة ذلك عليه وعلى الناس فتنا لا تطاق ومحنا يضيق عن احتمالها النطاق وفي استقراره الاتساق والانتظام ورفاهية أهل الإسلام فيجب تقريره كما تقدم      والمختار انه وان وجب تقريره فلا يكون إماما ما لم تجر البيعة.    
فأما أن يستولى كاف ذو استقلال بالأشغال وليس على خلال الكمال المرعى في الإمامة والقول في ذلك ينقسم فلا يخلو الزمان إما أن يكون خاليا عن مستجمع لشرائط الإمامة أو لا يكون شاغرا عن صالح لها فإن خلال الزمان عن كامل على تمام الصفات نظر فإن نصب أهل النصب كافيا على ما تقدم وان استولى بنفسه واستظهر بعدته وقام بالذب عن بيضة الإسلام وحوزته فإذا كان المستولى صالحا للإمامة فإن تصور توحد كاف في الدهر لا يباري شهامة ولا يجاري صرامة ولم نعلم مستقلا بالرئاسة العامة غيره فيتعين نصبه ثم تفصيل تعينه كتفصيل تعين من يصلح للإمامة كما تقدم .
فلو انتفض الدهر عن إمام ذي استقلال وقيام بمهمات الأنام و لو لم يقم لأكل بعض الناس بعضا ثم إذا خلت الديار عن الجنود المعقودة والأنصار استجرأ الكفار وتمادى الفساد والانتشار وعم الشر والضر.وقد يتداعى الأمر إلى أصل الملة ويفضي إلى عظائم يستأصل بها الدين كله إذا لم ينتهض من يحمل عبء الإسلام وكله  وجب استعاف الرجل الواحد بمناه واجابته في استنجاده واسترفاده إلى مهواه فالاسلام أولى بالذب والنادب إليه الله وإنما لم يجعل لآحاد الناس شهر السلاح ومحاولة المراس في رعاية الصلاح والاستصلاح لما فيه من نفرة النفوس والإباء.
والإمام في التزام الأحكام وتطوق الإسلام كواحد من مكلفي الأنام وإنما هو ذريعة في حمل الأس على الشريعة غير أن الزمان إذا اشتمل على صالحين لمنصب الإمامة فالاختيار يقطع الشجار ولا حكم مع قيام الأمام إلا للمليك العلام فإذا لم يتفق مستجمع للصفات المرعية واستحال تعطيل الممالك والرعية وتوحد شخص بالاستعداد بالأنصار والاستظهار بعدد الاستيلاء على مردة الديان وساعدته مواتاة الأقدار وتطامنت له أقاصي الأقطار وتكاملت أسباب الاقتدار فما الذي يرخص له في الاستئخار عن النصرة والانتصار والممتثل أمر الملك القهار.
ثم اختتم هذا الفصل بما هو غايات الأماني وانهيه مبلغا يعترف بموضوعه القاصي والداني و ما قل ودل انجح مما يطول فيمل فمن لا يحيط بحقائق الأشياء في استبدادها فليتخيل جريان نقائضها وأضدادها فلو فرضت والعياذ بالله فترة تجرأ بسببها الثوار من الديار ونبغ ذوو العرامة الأشرار وانسلوا عن ضبط بطاش في الزمان ذي اقتدار لافتدى ذوو الثروة واليسار أنفسهم وحرمهم بأضعاف ما هم الآن باذلون في دفع ادني ما ينالهم من الضرار.
فكيف لو قوبلت بوطأة من الكفار لأطراف ديار الإسلام لكانت مستحقرة و كيف لو تملكوا البلاد وقتلوا العباد وقرعوا الحصون والاسداد وخرقوا عن ذوات الخدور حجب الرشاد ومال إليهم من لا خلاف له من حثالة الناس بالارتداد وتخلل الحرائر العلوج وهتك حجالهن التبذل والربروج وهدمت المساجد ورفعت الشعائر والمشاهد وانقطعت الجماعات والأذان وشهرت النواقيس والصلبان وتفاقمت دواعي الاختزاء والافتضاح وصارت خطة الإسلام بحرا طافحا بالكفر الصراح؟
فما القول في أقوام بلوا في الذب عن دين الله حتى أهب الله رياح النصر من مهابها ورد شعائر الحق إلى نصابها وقيض من ألطافه بدائع أسبابها أيثقل هؤلاء على أهل الإسلام بنزر من الحطام وهم القوام والنظام.   
وأنا الآن آخذ في فن آخر وانتحى فيه فن الاستقصاء والإتمام فأقول من طلب زمانا صافيا عن الأقذاء و الأكدار فقد حاول ما يند عن الإمكان والاقتدار وإذا جل قدر من يدرأ من الآفات و البليات وضروب المعضلات فالقيام بدفعها تصد لكفاية المسلمين متاوي ومعاطب وفنونا من الدواهي وليس من شرط الاستقلال بدفع مهمات إمكان دفع سائرها ومن رأى أخاه المسلم مشرفا على الهلاك وصادف ماله متعرضا للضياع و استمكن من دفع الهلاك عنه ولم يتمكن من إنقاذ ماله فيتعين الدفع عن نفسه وان عسر تخليص ماله فالذي أناط الله عزت قدرته تعالى بمنصب صدر الزمان من دفع طوارق الحدثان لا يأتي على أدناه غايات البيان والذي يعسر دفعه ورده ومنعه لا يمنع وجوب درء ما يسهل درؤه.
أنا الآن اخذ في ضرب آخر في معرض سؤال وجواب عنه فإن قيل هل يرخص الشارع للمستقل بالمنصب الذي وصفتموه النزول عنه والتخلي لعبادة الله وإيثار الامتياز والانحجاز عن مظان الغرر ومواقع الخطر وتفويض أمر العباد إلى خالقهم ورازقهم قلنا لا يحل للقائم بالأمر الانسلال والانخزال عما تصدى له من كفاية المسلمين عظائم الاشغال إذا علم انه لا يخلفه من يسد في أمر الدين والدنيا مسده وتبين أن من يتشوف إلى الاستقلال بالاشغال لا يبوء بالأعباء والاثقال.
و أن القيام بالذب عن الإسلام وحفظ الحوزة مفروض وذوو التمكن والاقتدار مخاطبون به فان استقل به كفاة سقط الفرض عن الباقين وان تقاعدوا وتواكلوا عم كافة المقتدرين الحرج على تفاوت المناصب والدرج ثم الذي أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات و أعلى من فنون القربات من فرائض الأعيان فان ما تعين على المتعبد المكلف لو تركه ولم يقابل أمر الشارع فيه باارتسام اختص المأثم به ولو اقامه فهو المثاب
 فمن وقف في الاستقلال بمهمات المسلمين والذب عن حوزة الدين موقف من هو من في الزمان صدر العالمين ولو فرض والعياذ بالله تقاعده عن القيام بأمر الإسلام لانقطع قطعا سلك النظام فلأن يجب عليه المصابرة مع العلم بأنه لا يسد أحد في عالم الله مسده بعده وقد أضحى للدين وزرا وعدة وانتدب للسنة والاسلام جنة وحده
ومما يتعين الآن إيضاحه قضية ناجزة يؤول اثر ضيرها وخيراه إلى الخلائق على تفاوت مناصبها ويظهر وقعها في مشارق الأرض ومغاربها وهي أنه شاع في بلاد الإسلام تشوف صدر الأنام إلى بيت الله الحرام وقد طوق الله هذا الداعي من معرفة الحلال والحرام ما يوجب عليه إيضاح الكلام في هذا المرام وكشف أسباب الاستبهام والاستعجام فأقول أن أرجحن رأي مولانا إلى توطئة الطرق إلى بيت الله المعظم وحماه المحرم ومال اعتزامه إلى تقريب المسالك وتمهيدها وتذليلها وتعبيدها ونفضها عن الساعين في الأرض بالفساد وقاطعي الطرق على العباد .ثم إذا تمهدت السبل وانزاحت العوائق والعلل وأظلت من الآمنة على الطارقين الظلل فإذ ذاك ينتهض صدر الزمان محفوظا بحفظ الله ورعايته مكفوفا بأنعمه  فأما مبادرة المناسك ومسارعة المدارك قبل استمرار المسالك فمحرم ومن جل في الدين خطره دق في مراتب الديانات نظره.
و إن الأئمة إنما تولوا أمور الناس ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع فإذا فقدنا من يستجمع الصفات المرعية في المنصب الأعلى ووجدنا من يستقل بأمور المسلمين وينهض بأثقال العالمين ويحمل أعباء الدين ولو تواني فيها لانحلت من الإسلام شكائمه ولمالت دعائمه والغرض استصلاح أهل الإيمان على أقصى ما يفرض فيه الإمكان.
   و تقدم ما إلى الأئمة من الأحكام و وضح أن جميعها منوط برأي صدر الإسلام وسيد الأنام فنأخذ ما عليه مما إليه فعليه بذل المجهود في إقامة ما إليه وهذا على ايجازه مشير إلى النهايات مشعر بالغايات
فمما اعرضه على الجناب العال بأمر يعظم وقعه على اعتقاب الأيام والليالي وهو الاهتمام بمجاري أخبار الديار وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف وأسبلت العماية دون معرفتها أسداد الأعراف ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية على صفة الإشراق امتدت أيدي الظلمة إلى الضعفة بالإهلاك والإتلاف وإذا عمى المعتدون أخبارهم انشبوا في المستضعفين أظفارهم واستجرؤوا على الاعتداء ثم طمسوا عن مالك الأمر آثارهم ويخون حينئذ المؤتمن وتشيع المخازي فلو اصطنع صدر الدين والدنيا من كل بلده زمرا من الثقات على ما يرى ورسم لهم أن ينهوا إليه تفاصيل ما جرى فلا يغادروا نفعا ولا ضرا إلا بلغوه اختفاء دقائق الأخبار فإذا استشعر أهل الخبر والفساد أنهم من صاحب الأمر بالمرصاد آثروا الميل طوعا أو كرها إلى مسالك الرشاد وانتظمت أمور البلاد والعباد .
     ومما القيه إلى المجلس السامي وجوب مراجعة العلماء فيما يأتي ويذر فإنهم قدوة الأحكام وأعلام الإسلام وورثة النبوة  وإذا كان صاحب الأمر مجتهدا فهو المتبوع الذي يستتبع الكافة في اجتهاده ولا يتبع فأما إذا كان سلطان الزمان لم يلغ مبلغ الاجتهاد فالمتبوعون العلماء والسلطان نجدتهم وشوكتهم وقوتهم.
و أعظم المحن وأطم الفتن في هذا الزمن انحلال عصام التقوى عن الورى وأتباعهم نزعات الهوى فإذا انضم إلى ما هم مدفوعون إليه من البلوى دعوة المعطلة في السر والنجوى خيف من انسلال معظم العوام عن دين المصطفى  ولو لم يتدارك هذه الفتنة الثائرة أحوجت الإيالة إلى إعمال بطشة قاهرة ووطأة غامرة وقد رأيت أن اعرض على الرأي السامي من مهمات الدين والدنيا أمورا فإن رأى بينه وبين المليك الديان بلوغه فيما تطقه غاية الاستمكان فليس فوق ذلك منصب وان فات مبلغ الإيثار والاقتدار حالة لا يرى دفعها فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها وان تكن الأخرى فمولانا بالنظر في مغبات العواقب أحرى  وقد قال المصطفى في أثناء خطبته كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وقد عظم والله الخطر لمقام مستقل في الإسلام من حكمه باتفاق علماء الأنام انه لو مات على ضفة الفرات مضرور أوضاع على شاطئ الجيجون مقرور أو تصور في أطراف خطة الإسلام مكروب مغموم أو تلوى في منقطع المملكة مضطهد مهموم أو جأر إلى الله تعالى مظلوم أو بات تحت الضر خاو أو مات على الجوع والضياع طاو فهو المسؤول عنها والمطالب بها في مشهد يوم عظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم  ومع هذا فمن سوغ لمولانا الإحجام عن مطالعة مصالح الأنام فقد غشه إجماع أهل الإسلام وفارق مآخذ الأحكام .
              وقد حان الآن أن افرض خلو الزمان عن الكفاءة ذوي الصرامة خلوه عمن يستحق الإمامة والتصوير في هذا عسر فإنه يبعد خلو الدهر عن عارف بمسالك السياسة ونحن لا نشترط انتهاء الكافي إلى الغاية القصوى بل كفى أن يكون ذا حصاه و أناة وقد ذكرنا أن الإمامة لا تثبت دون اعتضاد بعدة واستعداد بشوكة ونجدة فكذلك الكفاية بمجردها من غير اقتدار واستمكان لا اثر لها في إقامة أحكام الإسلام فإذا شغر الزمان عن كاف مستقل بقوى ومنة فكيف يجري قضايا الولايات وقد بلغ تغذرها منتهى الغايات فنقول أما ما يسوغ استقلال الناس فيه بأنفسهم ولكن الأدب يقتضي فيه مطالعة ذوي الأمر ومراجعة مرموق العصر كعقد الجمع وجر العساكر إلى الجهاد واستيفاء القصاص في النفس والطرف فيتولاه الناس عند خلو الدهر ولو سعى عند شغور الزمان طوائف من ذوي النجدة والبأس في نقض الطرق والسعادة في الأرض بالفساد فهم من أهم أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 
      وقد قال العلماء لو خلى الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلده وسكان كل قرية أن يقدموا من ذوي الأحلام والنهى وذوي العقول والحجى من يلتزمون امتثال إشارته و أوامره وينتهون عن مناهيه ومزاجره فإنهم لو لم يفعلوا ذلك هلكوا.
      ومما يجب الاعتناء به أمور الولايات التي كانت منوطة بالولاة كتزويج الأيامى والقيام بأموال الأيتام و أن كان في الزمان عالم يتعين الرجوع إليه في تفاصيل النقض والإبرام ومآخذ الأحكام فهو الذي يتولى المناكح التي كان يتولاها السلطان فإن عرى الزمان عن العلماء عروه عن الأئمة ذوي الأمر فالقول في ذلك يقع في الركن الثالث من الكتاب.وإن كثر العلماء في الناحية فالمتبع أعلمهم وإن فرض استواؤهم وفرضهم نادر لا يكاد يقع فإن اتفق فإصدار الرأي عن جميعهم مع تناقض المطالب والمذاهب محال فالوجه أن يتفقوا على تقديم واحد منهم فإن تنازعوا فالاقتراع فمن خرجت له القرعة قدم  فإن قيل هلا حزمت القول بأن عالم الزمان هو الوالي وحق على ذي النجدة إتباعه والإذعان لحكمه والإقرار لمنصب علمه قلنا أن كان العالم ذا كفاية وهداية إلى عظائم الأمور فحق على ذي الكفاية العرى عن رتبة الاجتهاد أن يتبعه أن تمكن منه وان لم يكن العالم ذا دراية واستقلال بعظائم الإشغال فذو الكفاية الوالي قطعا وعليه المراجعة والاستعلام ثم إذا كانت الولاية منوطة بذي الكفاية والهداية فالأموال مربوطة بولايته وجمعه وتفريقه ورعايته فإن عماد الدولة الرجال وقوامهم الأموال .
 القول في الركن الثالث        و يستدعي تتبع مصادر الشريعة ومواردها
      أولا اشتمال الزمان على المفتين حملة الشريعة والمستقلون بها هم المفتون المستجمعون لشرائط الاجتهاد من العلوم والضامون إليها التقوى والسداد و اجمع ما ذكره المتقدمون أن الصفات المعتبرة في المفتى ست      وقد جمع الأمام المطلبي الشافعي رحمه الله هذه الصفات في كلمة وجيزة فقال من عرف كتاب الله نصا واستنباطا استحق الإمامة في الدين فالقول الوجيز فيه أن المفتي هو المتمكن من درك إحكام الوقائع على يسر من غير معاناة تعلم وهذه الصفة تستدعي ثلاثة أصناف من العلوم أحدها اللغة والعربية القول الضابط في ذلك أن يحصل من اللغة والعربية ما يترقى به عن رتبة المقلدين في معرفة الكتاب والسنة وهذا يستدعي منصبا وسطا في علم اللغة و العربية والصنف الثاني من العلوم الفن المترجم بالفقه ولا بد من التبحر فيه والاحتواء على قواعده ومآخذه ومعانيه ثم هذا الفن يشتمل على ما تمس الحاجة إليه من نقل مذاهب الماضين وينطوي على ذكر وجوه الاستدلال بالنصوص والظواهر من الكتاب ويحتوي على الأخبار المتعلقة بأحكام التكاليف مع الاعتناء بذكر الرواة والصفات المعتبرة في الجرح والتعديل والصنف الثالث من العلوم العلم المشهور بأصول الفقه ومنه يستبان مراتب الأدلة وما يقدم منها وما يؤخر ولا يرقى المرء إلى منصب الاستقلال دون الإحاطة بهذا الفن  فمن استجمع هذه الفنون فقد علا إلى رتبة المفتين   والورع ليس شرطا في حصول منصب الاجتهاد فإن من رسخ في العلوم المعتبرة فاجتهاده يلزمه في نفسه أن يقتضي فيما يخصه من الأحكام موجب النظر ولكن الغير لا يثق بقوله لفسقه.     
والذي أراه أن من ظهر ورعه من العلماء وبعد عن مظان التهم فيجوز للمستفتي اعتماد فتواه.
      ومما يتعين ذكره أن من وجد في زمان مفتيا تعين عليه تقليده.
      فأما المرتبة الثانية فهي فيه إذا خلي الزمان عن المفتين البالغين مبلغ المجتهدين فالقول بعد ذلك فيما على المستفتين فإذا وقعت واقعة فلا يخلو إما أن يصادف النقلة فيها جواب الأئمة الماضين وأما أن لا يجدوا فيها بعينها جوابا  فإن وجدوا فيها مذهب الأئمة منصوصا عليه نقوله واتبعه المستفتون فأما من كان هذا الفقيه يحيط بمذهب إمام من الأئمة فلا يعسر عليه أن يبين في كل واقعة قياس مذهب إمامه والدليل عليه أن المجتهد آنس بأصول الشريعة فإذا استجمعها العالم كان على ظن غالب في إصابة ما كلف في مسالك الاجتهاد .
          المرتبة الثالثة : مضمون هذه المرتبة ذكر متعلق التكاليف إذا خلا الزمان عن المفتين وعن نقلة لمذاهب الأئمة الماضين فماذا يكون مرجع المسترشدين المسفتين في أحكام الدين.  
        و لا يخفي أن مآخذ الشريعة مضبوطة محصورة وقواعدها معدودة محدودة فإن مرجعها إلى كتاب الله تعالى وسنة رسول الله  ونحن نعلم انه لم يفوض إلى ذوي الرأي و الأحلام أن يفعلوا ما يستصوبون فكم من أمر تقضي العقول بأنه الصواب في حكم الإيالة والسياسة و الشرع وارد بتحريمه فلسنا ننكر تعلق مسائل الشرع بوجوه من المصالح ولكنها مقصورة على الأصول المحصورة وليست ثابتة على الاسترسال في جميع وجوه الاستصلاح ومسالك الاستصواب ثم نعلم مع ذلك انه لا يخلو واقعة عن حكم الله تعالى على المتعبدين   وقد ذهب بعض من ينتمي إلى أصحابنا إلى انه لا يبعد تقرير واقعة ليس في الشريعة حكم الله فيها وزعم إنها إذا اتفقت فلا تكليف على العباد فيها  وهذا زلل ظاهر والمعتقد انه لا يفرض وقوع واقعة مع بقاء الشريعة بين ظهراني حملتها إلا وفي الشريعة مستمسك بحكم الله فيها والدليل القاطع على ذلك أن أصحاب المصطفى  ورضي عنهم استفتحوا النظر في الوقائع و الفتاوي و الاقضية فكانوا يعرضونها على كتاب الله فإن لم يجدوا فيها متعلقا راجعوا سنن المصطفى  فإن لم يجدوا فيها شفاء اشتوروا واجتهدوا وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرهم إلى انقراض عصرهم ثم استن من بعدهم بسنتهم فلم تتفق واقعة تقضي بعروها عن موجب من موجبات التكليف.
باب         في الأمور الكلية والقضايا التكليفية      
و أنا أذكر نتفا  فافرض أولا حالة و أجري فيها مقاصد ثم أبني عليها قواعد واضبطها بروابط فلو فسدت المكاسب كلها وطبق الأرض الحرام في جميع الأمور  وليس حكم زماننا ببعيد واقرب مسلك يمتد إليه بصيرة الفطن في ذلك تلقى الأمر من إباحة الميتات عند المخصمة والضرورات طال كلام العلماء في ذلك و فصلوا ، لكن  القول المجمل في ذلك إلى أن الحرام إذا طبق الزمان و أهله ولم يجدوا إلي طلب الحلال سبيلا فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة ولا يشترط الضرورة في حقوق أحاد الناس بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر فان قيل هلا جعلتم المعتبر في الفصل ما ينتفع به المتناول قلنا هذا سؤال عم عن مسالك المراشد فأنا إن أقمنا الحاجة العامة في حق الناس كافة مقام الضرورة في حق الواحد في استباحة ما هو محرم عند فرض الاختيار فمن المحال أن يسوغ الازدياد من الحرام انتفاعا وترفها وتنعيما فهذا منتهى البيان في هذا الشأن. 
    وأما الأدوية  التي تستعمل فمنع استعمالها مع مسيس الحاجة إليها يجر ضرارا  فان قيل ما ترون في الفواكه التي ليست أقواتا ولا أدوية قلنا ما من صنف منها إلا يسد مسدا فليعتبر فيها درأ الضرار بها و هذا منتهى القول في صنوف الأطعمة  فأما الملابس فإنها تنقسم قسمين  أحدهما ما في استعماله درء الضرار إباحته كسبيل الأطعمة  والقسم الثاني مالا يدرأ ضرارا ولكن يتعلق لبسه بستر ما يجب ستره أو برعاية المروءة فأما ستر العورة فهو ملتحق بما يدفع استعماله للضرار من المطاعم والملابس فان تكليف التعري عظيم الوقع وهو أوقع في النفوس من ضرر الجوع والضعف ووضوح هذا يغني عن الإطناب فيه ونحن على قطع نعلم انه لا يليق بمحاسن الشريعة تكليف الرجال والنساء العرى مع إمكان الستر وأما ما يتعلق بالمروءة من اللبس فاذكر قبله معتبرا منصوصا عليه للائمة رضي الله عنهم قالوا من أفلس و أحاطت به الديون واقتضى رأي القاضي ضرب حجر عليه عند استدعاء غرمائه فأنا نبقي له دست ثوب ولا نتكره بارزا يستر عورته فإذا ابقوا له إقامة لمروءته ثوابا وان كان قضاء الديون الحالة محتموما فلا يبعد أن يسوغ في شمول التحريم لبس ما يتضمن ترك لبسه خرما للمروءة وكذلك المقدار الذي يتعلق بستر العورة مقطوع فان الناس ينقطعون بسبب التعرى عن التقلب والتصرف كما يمتنعون بضعف الأبدان ووهن الأركان عن المكاسب  . فأما المساكن فاني أرى مسكن الرجل من اظهر ما تمس إليه حاجته و لكن الذي يؤويه وعائلته وذريته مما لا غناء عنه وهذا الفصل مفروض فيه إذا عم التحريم ولم يجد أهل الأصقاع والبقاع متحولا عن ديارهم إلى مواضع مباحة ولم يستمكنوا من إحياء موات و إنشاء مساكن سوى ما هم ساكنوها فان قيل ما اتخذتموه معتبرهم في الملابس المفلس المحجور ثم لا يترك على المفلس مسكنه قلنا سبب ذلك انه في غالب الأمر يجد كنا باجرة نزرة فليكتف بذلك فان قيل ما ذكرتموه فيه إذا طبقت المحرمات طبق الأرض واستوعب الحرام الأنام فما القول فيه إذا اختص ذلك بناحية من النواحي قلنا أن تمكن أهلها من الانتقال إلى مواضع يقتدرون فيها علي تحصيل الحلال تعين ذلك  وان تعذر ذلك عليهم وهم جم غفير وعدد كثير ولو اقتصروا على سد الرمق وانتظروا انقضاء أوقات الضرورات لا انقطعوا عن مكاسبهم فالقول فيهم كالقول في الناس كافة فليأخذوا أقدار حاجتهم فان قيل أطلقتم التحريم فما العمل إذا تهجم على أموال الناس الغاشمون ومدوا أيديهم اعتداء إلي أملاكهم ثم فرقوها في الخلق فإذا جاز أخذ الكفاية من المحرمات لم يخف جوازه في مظان الشبهات. فأما القول فيما يحرم ويحل من أجناس الموجودات فليس يخفي على أهل السلام ما بقيت أصول الأحكام أن مرجع الأدلة السمعية كلها كتاب الله تعالى وأبين آية في القران في التحريم والتحليل قول الله العزيز ( قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير)    وهذه الآية من المحكمات التي لا يتطرق إليها تعارض الاحتمالات وطرق التأويلات وليست من المتشابهات وهي من آخر ما نزل على المصطفى صلى الله عليه و سلم.
 فأما تفصيل القول في الأملاك فالأملاك محترمة لحرمة ملاكها . والقول فيها يتعلق بفصلين  أحدهما في القول في المعاملات فالأصل المقطوع به فيها تراضي الملاك والشاهد من نص القران في ذلك قوله تعالى وعز (و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) وكذلك القول في سائر صنوف المال فالأمر الذي لا شك فيه تحريم التسالب والتغالب ومد الأيدي إلى أموال الناس من غير استحقاق فإذا تراضوا بالتبادل فالشرع فلا بأس . والقول الضابط في ذلك أن ما لا يعلم تحريمه من المعاملات فلا حجر فيه عند خلو الزمان عن علم التفاصيل .
 و أما التغالب فلا يخفي تحريمه ما بقيت أصول الشريعة وقد تقع صورة عويصة لا تدرك إلا بعلم التفصيل ولا سبيل إلى بناء الأمر على الظنون مع عدم المفتين و انحسام الطرق إلى درك مذاهبهم.
فأما القول في الحقوق بالأموال فالمسلك الوجيز فيه أن الحقوق تنقسم إلى ما يفرض لمستحقين مختصمين والى ما يتعلق بالجهات العامة فأما ما يقدر الأشخاص كالنفقات وغيرها فما علم في الزمان وجوبه حكم به وما لم يعلم بنو الزمان لزومه فالأمر يجري فيه على براءة الذمة . فأما القول فيما يتعلق بالجهات العامة فالجهات العامة يبقى العلم بأصلها شائعا مستفيضا ذائعا وان فرض دروس الذكر فيه فيكون سائر الأصول دراسة عن الأذكار والأفكار أيضا.
       فإذا فرض بين ظهراني الموسرين مضرور في مخصمه أو جهة أخرى من جهات الضرورة و استمكن المثرون الموسرون من إنقاذه بأموالهم وجب ذلك على الجملة  ثم يدرك بمقتضى العقل وراء ذلك أمرين:      أحدهما أن من سبق إلى القيام بذلك فقد اسقط الفرض عن الباقين والثاني أن الموسرين بأجمعهم لو تواكلوا وتخاذلوا و أحال البعض على البعض حتى يهلك المضطر حرجوا من عند أخرهم إذ ليس بعضهم بالانتساب إلى الصنيع أولى من بعض وقد عمهم العلم والتمكن من الكفاية. 
                        فصل         نقل النقلة في مأثور الأخبار عن النبي ص  صلى الله عليه وسلم      تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها تنسى وهو أول علم ينتزع من أمتى .فلو أعضلت تفاصيل الفرائض وهذا يعسر مع بقاء الذكر في الأصول فان فرض دروس في التفاصيل فالذي يتعلق بمساق الكلام الذي تجريه صنفان  أحدهما فيه إذا مات رجل وخلف مختصين به وعلموا أنهم ورثة ولكن أشكل مقدار ما يستحقه كل واحد  فالذي يقتضيه القاعدة الكلية أنهم اصطلحوا وتراضوا على أمر نفذ ما تراضوا به وإن أبوا وتمانعوا فالوجه التسوية بينهم فأنهم مع التباس الحال متساوون ولا مطمع في ارتفاع اللبس مع انقراض العلماء ولا وجه لتبقية النزاع بينهم مع مسيس حاجتهم فاقتضى مجموع ذلك التسوية فالذي يقتضيه القاعدة الاصطلاح أو التسوية . وأما الصنف الثاني فهو أن يكون فيهم من يعلم انه من المستحقين وفيهم من يشك في انه مستحق أم لا  فالذي نعلم كونه مستحقا أن علم قطعا انه يستحق النصف وشك في انه هل يستحق النصف الباقي أم يستحق الرجل المشكوك فيه فالذي يستيقن استحقاقه يأخذه هو وصاحبه في الباقي متساويان والاستحقاق والمرتبة الثالثة مبناها على دروس العلم بفروع الشريعة وفصولها مع بقاء قواعدها وأصولها فهذا هو السؤال وسبيل الانفصال عنه أن نعترف أولا بانتفاء اليقين كما أوضحه السائل ثم نعترف بان واحدا من الرجلين غير مستيقن استحقاق نفسه و على أهل الزمان بذل المجهود في دركه فأنا إذا فرضنا بقاء أصول الشريعة فمن أجلاها علم بني الزمان بان ما يتصور الوصول إلى الاستيقان فيه في الشريعة فيتعين التوصل إليه ورب شيء مدركه القطع وفي دركه عسر وعناء وهذا كالقول في قواعد العقائد فأنا إذا أوجبنا العلم بها فقد يدق مدركها ويتوعر مسلكها ولكنها إذا كانت مستدركة بأساليب العقول تعين السعي في إدراكها.
          فأما القول في المناكحات فأنا نعلم إنها لا بد منها كما انه لا بد من الأقوات فان بها بقاء النوع كما بالأقوات بقاء النفوس والنكاح هو المغنى عن السفاح و تقدم أن عموم الحاجة في حقوق الناس كافة كالضرورة في حق الشخص المعين  و إذا أشكل في الزمان الشرائط المرعية في النكاح ولم يأمن كل من يحاول نكاحا انه مخل بشرط معتبر في تفاصيل الشريعة فلا تحرم و لو حرمناها لحسمناها ولتسبب إلى قطع النسل ثم لا تعف النفوس عموها فتسترسل في السفاح إذا صدت عن النكاح وهذا إذا عمت الشبهات أو طبقت المحرمات في المطاعم والمشارب .
     و لا يخفي على ذوي التمييز أن الرضا المجرد لا يقع الاكتفاء به ولو اقنع الرضا لكان كل سفاح بين مقدم عليه وممكن منه مطاوعة نكاحا مباحا.  فما لا يكاد يخفي اعتباره صورة العقد والإيجاب والقبول وأما الولي والشهود و الأصل تحريم الأبضاع فلا يستباح إلا بثبت وتحقيق ومما لا يخفي رعايته في النكاح خلو المرأة عن نكاح الغير وعن اشتمال الرحم ماء محترم فان الغرض الأظهر في إحلال النكاح وتحريم السفاح أن يختص كل بعل بزوجته ولا يزدحم ناكحان على امرأة فيؤدي ذلك إلى اختلاط الأنساب  . وأما أمر العدة فان كان محفوظا في العصر وهو الغالب ما بقيت الأصول فيراعي في النكاح الخلو عن العدة وان اشتبه تفاصيل العدد فلا يكاد يخفي اعتبار ظهور براءة الرحم عن الناكح المتقدم . و تمام الكلام قول جامع كلى في الزواجر وما يتعلق بالإيالة فنقول لا يخفي جواز دفع الظلمة وان انتهى الدفع إلى شهر الأسلحة فان من اجل أصول الشريعة دفع المعتدين بأقصى الإمكان عن الاعتداء ولو ثارت فيه زائغة عن الرشاد واثروا السعي في الأرض بالفساد ولم يمنعوا قهرا ولم يدفعوا قسرا لاستجرأ الظلمة  فأما إذا اعتدي المعتدون وظفرنا بهم فأصول الحدود لا تخفي  ما بقيت شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
       والكلام الضابط فيها أن كل حد استيقنه أهل العصر إقامة ولاة الأمر وإذا شكوا في وجوب الحد لم يقيموه أصلا ولو علموا أن وجوب الحد مختلف فيه بين العلماء فهو إذن مظنون وكان في محل التحري إذا كانت التفاصيل مذكورة محفوظة فإذا عدموا ما يتعلق به المقلدون من تقديم إمام على إمام فقد استوى عندهم الظنان وتعارضا فلا سبيل إلى الهجوم على إقامة العقوبات و إراقة الدماء مع التردد ولو وقعت في حد مع بقاء الفروع و استوى في ظن المفتي إيجاب الحد ونفيه ولم يترجح أحد الظنين على الثاني فلا يفتي بالحد أصلا فحكمهم الخالي عن علم التفاصيل يجري هذا المجرى.
      ومما يليق بذلك انه إذا زنى رجل وعلم انه استوجب الحد ولكن لم يدر أمحصن هو فيرجم أو بكر فيجلد فلا سبيل مع الإشكال إلى رجمه  فأما الجلد فلا يجوز جلد المحصن كما لا يجوز رجم البكر إذ لا تبادل في الحدود فالوجه على حكم الأصل أن لا يحد أصلا  فإذا شككنا في أن الجلد هل يسوغ إقامته أم لا والعقوبة المشكوك فيها لا تقام في الزمان الذي فرضنا إلى الكلام فيه فان قيل لو زنا محصن واستوجب الرجم والشريعة مستقلون بضبط التفاصيل ورأى الأمام أن يقتل المحصن بالسياط ويحلها محل الأحجار فينبغي أن يجوز ذلك وإذا ثبت جوازه فليجلد من أعتاص الأمر في رجمه وجلده فان كان مرجوما فقد اقتصر على بعض ما يستحق وان كان مجلودا فقد أقيم عليه كاملا قلنا لسنا نرى أولا إقامة السياط مقام الأحجار فان الحدود لا يتغير كيفياتها ولا تبدل آلاتها ثم أن انتهى مجتهد إلى تجويز ما أورده السائل فهو من دقيق القول في أساليب الطنون فكيف يدركه أهل الزمان الشاغر عن علماء التفاصيل.  
ثم إني وضعت هذا الكتاب لأمر عظيم فاني تخليت انحلال الشريعة وانقراض حملتها ورغبة الناس عن طلبها و إضراب الخلق عن الاهتمام بها وعاينت في عهدي الأئمة ينقرضون ولا يخلفون والمتسمون بالطلب يرضون بالاستطراف ويقنعون بالأطراف وغاية مطلبهم مسائل خلافية يتباهون بها أو فصول مغلفة وكلم مزيفة في المواعظ يستعطفون بها قلوب العوام والهمج الطعام فعلمت أن الأمر لو تمادى على هذا الوجه لانقرض علماء الشريعة . فهذا ما قصدت فان تحقيق ظني فهو الفوز الأكبر وألا فالخير أردت والله المستعان. 
 المرتبة الرابعة في خلو الزمان عن أصول الشريعة  ومضمون هذه المرتبة تقدير دروس أصول الشريعة وقد ذهبت طوائف من علمائنا إلى أن ذلك لا يقع فان أصول الشريعة تبقي محفوظة على ممر الدهور إلى نفخة الصور واستمسكوا بقوله تعالى( إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون )  وهذه الطريقة غير مرضية
فالقول المرتضي في ذلك أن دروس أصول الشريعة في مستقر العادة في الآماد الدانية فلا تبعد في مطرد العرف انمحاق الشريعة أصلا أصلا حتى يدرس بالكلية.
    فان فرض ذلك قدمنا على غرضنا من ذلك صورة وهي أن طائفة في جزيرة لو بلغتهم الدعوة ولاحت عندهم دلالة النبوة فاعترضوا بالوحدانية والنبوة ولم يتفقوا على شيء من أصول الأحكام ولم يستمكنوا من المسير إلى علماء الشريعة فالعقول على مذاهب أهل الحق لا تقتضي التحريم والتحليل وليس عليها في مدرك قضايا التكاليف و لا يلزمهم إلا اعتقاد بالتوحيد .
      و إذا درست فروع الشريعة وأصولها ولم يبق معتصم يرجع إليه ويعول عليه انقطعت التكاليف عن العباد والتحقت أحوالهم بأحوال الذين لم يبلغهم دعوة ولم تنط بهم شريعة و إنما جعلت هذه الخاتمة منقطع الكلام لأني افتتحت باسم مولانا نصر الله أيامه وأسبغ على ساحته السامية إنعامه كتابا مضمونة ذكر مدارك العقول سأنخل فيها ثمرات الألباب وانزع من ملتطم الشبهات الصفوة اللباب واتركه عبرة في ارتباك المشكلات واشتباك المعضلات فصار ما قطعت عليه الكلام متقاضفا ما افتتحته والله ولى الإتمام و نجز الكتب بحمد الله ومنه وحسن توفيقه وذلك في ثالث عشره شهر ربيع الأول سنة وأربعين وسبعمائة والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد واله .