السبت، أبريل 25، 2015

أبي، قصة نادرة

في بلدة صغيرة  بسيطة الأماني، ليس لأحدهم إلا نخلات أو غُنيمات يتتبع بها موارد القطر ، وفي مزرعة مترامية الأطراف من تلك البلدة والتي يتأرجح نتاجها بين سواعد الرجال و سنيّ المطر والجدب،  كان فيها بيت طيني  لعائلة صغيرة تكدح فيها لتحقق العيش الكريم ، ترعرع في هذه الأسرة طفل صغير بهمة رجل ، نشأ  الطفل الملهم  نشأة مختلفة عن أقرانه ، فالهمة صاغت طموحه و سمت به للعلو والمعالي حتى بلغت به السماء علوا، و السؤدد مكانة، وتربع على عرش القلوب ، فكانت خيراً له و لوالديه و لأخوته وأخواته ، كان والده فرحاً به حين قدم لهذه الدنيا ليقوم بخدمته في هذه المزرعة مع أخويه وأعمامه فقضى فترة طفولته بين حفظ القران و العمل مع والده حتى أتم الحفظ و تلقى العلوم اليسيرة على يد قاضي البلدة حينها و كان هذا العلم اليسير موقد الطموح و مشعل فتيل الطلب ، فحداه الشوق إلى الرقي والتزود من العلم فاحتار كثيراً بين خدمة أهله و توجهه لحاضرة العلم و العلماء ( الرياض) فحاول في والده مرات عدة ليأذن له بالذهاب و كان له ما آراد...
فتكبد المشاق و شظف العيش و رقة الحال و وحدة الغربة لينهل العلم و يتزود المعرفة وكانت له باب خير له و لأهله و أخويه، فالهمم ترفع للقمم ، فالطموح ولد معه و ترعع في مزرعة جوانحه و سقاها بالقران و العلم ، حتى شبّ عليها و شابت معه رحمك الله يا أبي فقد بثثت حب العلم و التعلم بين أهلك و ذويك حتى بلغ ذريتك ، و لا أكاد أحصي حرصك مرات عدة وأنت تطلب من أحدنا أن يقرأ القرآن أو الحديث ويتزود العلوم ... والدي تربى على حب السنة وسماعها فهذبت خلقه و صاغت شخصيته فألفها حتى كان ثمرتها فكان خُلقاً يمشي على الأرض...
عندما تعاصر شخصاً في شتى نواحي الحياة فقد أتيح لك أن تراه بكل تفاصيله و زواياه فقد عشت مع والدي النابض ، ولداً و طالباً و صاحب سفر 
تميزت عن بعض أخوتي أن رافقته في الذهاب إلى الكلية صباحا و نعود ظهرا لأربع سنوات كانت هي أخر أربع سنوات له في الكلية وفيها بلغ من العلم شؤواً عالياً و وصل النضج في ثمرة هذا العلم بما حباه الله من خلق جم و سعة بال فكان لي رفيقا قبل أن يكون أباً و كان زميلا قبل أن يكون معلما لازلت أتذكر أطروحاته في السيارة و نقاشه المثمر معي و تقبله لوجهات النظر مني ، رحمك الله يا أبي تعاملني كزميل لك في الكلية و تنصت لطرحي و تتقبل ذلك بصدر رحب ، و قد وشى بي ذات يوم بعض الزملاء في القاعة بي إليك وكان ردك لهم درس من دروس التربية و الخلق لي ولهم ، درست سنوات الكلية و عملت بعدها مع طلابك و محبيك و إذا عرفوا أنك والدي فلا تكاد دعواتهم تنقطع و ثناؤهم لا يتوقف ، أسأل الله ينفعك بها و يرفع درجتك في المهديين .
رحمك الله يا أبي كنت مدرسة في التربية و في العبادة و في التعليم لن يوفيك حق خاطرة عابرة و لا سطور تكتب بل أنت قصة تُروى سيرددها الأجيال فمثلك لا يكرره الزمن إلا يسيرا رحمك الله يا أبي و رضي عنك   

داود بن عبدالعزيز الداود