الحمد لله رب
العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله و صحبه
أجمعين
و بعد
التفرقة بين النوعين
من أوامر الحفظ لم تكن غائبة عن أذهان المنظم الإجرائي السعودي على نحو يماثل ما جاء
في التشريع المقارن. فباستطلاع نصوص نظام الإجراءات الجزائية السعودي ، نجد أن المنظم قد أورد في المادة 62 من النظام
قوله "للمحقق إذا رأى أن لا وجه للسير في الدعوى أن يوصي بحفظ الأوراق ، ولرئيس
الدائرة التي يتبعها المحقق الأمر بحفظها" . وبصرف النظر عن عبارة "لا وجه
للسير في الدعوى" الواردة في صدر المادة ، فإنه يتعين فهم مصطلح "حفظ الأوراق"
الوارد بهذا النص على أنه يتعلق فقط بما يصدر عن المحقق في هيئة التحقيق والإدعاء العام
من أمر بحفظ الأوراق قبل البدء في اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي ، بغية
التصرف في شكوى أو في بلاغ أو في محضر استدلالات ، أي ما يصدر عن تلك الجهة كسلطة اتهام
بغرض منع تحريك الدعوى الجزائية. والبين أن المادة 62 تلك لم توجب على المحقق أن يبين
الأسباب التي بني عليها أمره بحفظ الأوراق (الشكوى أو البلاغ أو محضر الاستدلالات الذي
يحرره رجال الضبط الجنائي).
ودليلنا على صحة هذا التفسير أن الأمر الذي يصدر
عن المحقق التابع لهيئة التحقيق والإدعاء العام من أمر بحفظ الأوراق بعد أن يكون قد
باشر إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى الجزائية ، كندب خبير أو كاستجواب المتهم
، أو كان قد أصدر أمراً بالقبض على هذا الأخير أو بتفتيشه أو بتفتيش مسكنه أو بتوقيفه...الخ
، قد عالجه المنظم في المادة 124 من نظام الإجراءات الجزائية بقوله "إذا رأى المحقق بعد انتهاء التحقيق
أن الأدلة غير كافية لإقامة الدعوى فيوصي المحقق رئيس الدائرة بحفظ الدعوى وبالإفراج
عن المتهم الموقوف ، إلا إذا كان موقوفاً لسبب آخر....ويجب أن يشتمل الأمر على الأسباب
التي بني عليها...".
وهذا الذي أسمته
المادة 124 من نظام الإجراءات الجزائية "حفظ الدعوى" هو في حقيقته ما استقر
عليه الفقه والتشريعات المقارنة "أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية" ،
ويصدر عن هيئة التحقيق والإدعاء العام بحسبانها سلطة تحقيق. ولذلك كان منطقياً أن يورد
المنظم في المادة 124 ما يفيد ضرورة أن يبين المحقق الأسباب التي استند إليها عند اتخاذه
الأمر "بحفظ الدعوى" (الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى) .
والمستقر عليه أن
العبرة في التميز بين نوعي أوامر الحفظ هو بحقيقة الواقع لا بما تذكره السلطة مصدرة
الأمر ، أو بالوصف الذي يوصف به. فإذا أصدر عضو النيابة أمراً بمجرد الاطلاع على محضر
جمع الاستدلالات الذي تلقاه من مأمور الضبط القضائي دون أن يستدعي الحال إجراء تحقيق
بمعرفته فهو أمر بحفظ الأوراق. أما إذا قامت النيابة بأي إجراء من إجراءات التحقيق
، سواء أجرت التحقيق بنفسها أو ندبت لذلك مأموراً للضبط القضائي ، فالأمر الصادر يكون
قراراً بألا وجه لإقامة الدعوى ولو جاء بصيغة الحفظ الإداري ، وعلى المحكمة أن تتحرى
حقيقة الواقع وأن ترد رداً سائغاً على ما يبدى من دفوع في هذا الصدد ([1]).
و يرد على هذا
بعض الفروق :
1. كلا الأمرين
يصدران من النيابة العامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك.
2. أمر الحفظ ذو
طبيعة إدارية وعليه يجوز العدول عنه في أي وقت وهو عبارة عن ختام إجراءات الاستدلال
التي جمعت.
3. الأمر بأن لا
وجه لإقامة الدعوى ذو طبيعة قضائية ولا يجوز العدول عنه إلا إذا ظهرت أدلة جديدة (
شهادة الشهود أو تقديم أوراق لم تعرض للنيابة من قبل تقوي الأدلة التي كانت غير كافية).
4. الأمر بان لا
وجه لإقامة الدعوى في الجنايات يصدر من رئيس النيابة ولا يكون نافدا إلا بعد التصديق
عليه من النائب العام .
5. الأمر بأن لا
وجه لإقامة الدعوى الصادر في الجنح والمخالفات يجوز للنائب العام إلغاءه خلال ثلاثة
أشهر من تاريخ الصدور.
6. الأمر بان لا
وجه لإقامة الدعوى يجب أن يسبب.
7. الأمر بان لا
وجه لإقامة الدعوى يجوز الطعن عليه بالاستئناف لأنه ذو طبيعة قضائية بخلاف أمر الحفظ.
8. ومن أهم النتائج
المترتبة على هذه الفروق بين الأمر بالحفظ والأمر بان لا وجه هو في حالة صدور قرار
من النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى ولم يلغى من النائب العام فلا يجوز للنيابة
العامة أن تحقق في ذات الواقعة مرة أخرى و تقديم المتهم للمحاكمة وإذا فعلت ذلك تحكم
المحكمة بعدم قبول الدعوى ([2]).