السبت، أغسطس 10، 2013

حجية محاضر التحقيق

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين                                                      و بعد
  تتفق التشريعات المختلفة بسلطة القاضي المطلقة في تقدير الدليل المقدم في الدعوى، إذ من المقرر أن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها مما يستقل به قاضي الموضوع، كما أنه لا تجوز المناقشة حول تقدير المحكمة في الأخذ بتقرير خبير لأسبابه الواردة به أو في استنباط قرينة قضائية، أو في تقديرها لإقرار غير قضائي.

ومن ناحية أخرى، فإن للقاضي سلطته في تقدير كفاية الأدلة ، طالما تؤدي هذه الأدلة إلى النتيجة التي استخلصها منها، ولهذا نجد أن قضاء النقض المصري قد استقر على أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة الخصم إلى أي طلب يتعلق بالإثبات متى رأت في ظروف الدعوى الأدلة المقدمة فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها، إلا إذا تعلق الأمر بدفاع جوهري من شأنه لو صح أن يغير وجه الرأي في الدعوى، إذ أن عدم إجابة طلب الإثبات في هذه الحالة يعتبر إخلالاً بحق الدفاع.

كذلك  فإن للقاضي سلطة كبيرة في أن يوازن بين الأدلة المقدمة في الدعوى ليأخذ بما يطمئن إليه وجدانه منها ويطرح ما لم يطمئن إليه.

و عليه، فإن محكمة الموضوع وإن كانت تتمتع بسلطة مطلقة في تقدير الأدلة وتقدير كفايتها والموازنة بينها، إلا أنها مع ذلك مقيدة في سلطتها وتقديرها بأن يكون تقديراً سائغاً وإلا خضع لرقابة محكمة النقض من خلال التسبيب. وعلى ذلك، فليس لمحكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود أن تستند إلى ما يخرج بها عن مدلولها أو ما يتضمن تحريضاً لها أو ما يبني على مخالفة الثابت من الأوراق.

وأخيراً فإن قاضي الموضوع مقيد في تقديره للدليل القانوني بالتأكد من توافر شروط هذا الدليل فحسب، فإن انتهى إلى توافرها كان ملزماً بالأخذ بهذا الدليل، ومثال ذلك الإقرار، واليمين الحاسمة أو النكول عنها والقرينة القانونية ([1]).

و قد يكون المحرر منطويا على جسم الجريمة كما هي الحال في التزوير والتهديد الكتابي ، والإبلاغ الكاذب كما قد يكون مشتملا على مجرد دليل فيها كخطاب يتضمن إعترافا من المتهم أو إقرارا من شاهد عن واقعة معينة.

وليس للمحررات سواء كانت رسمية أم عرفية حجية خاصة في إثبات نفس الواقعة الجزائية ، وبالتالي " لاتعتبر المحاضر والتقارير المثبتة للجنايات أو الجنح إلا مجرد إستدلالات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " فمحاضر التحقيق التي يجريها ضباط الشرطة أو النيابة ، وما تحويه من إعترافات المتهمين ومعاينات المحققين وأقوال الشهود ، هي عناصر إثبات تحتمل النقاش كسائر الأدلة ، دون إشتراط طريق الطعن بالتزوير وللمحكمة حسبما ترى أن تأخذ بها أو تطرحها إذا لم تطمئن إليها مهما كان نوعها.

    أيضا  في المواد الجنائية فإن ما تحويه الأوراق إن هي إلا عناصر إثبات تخضع في جميع الأحوال لتقييم القاضي الجنائي وتحتمل الجدل والمناقشة كسائر الأدلة، وللخصوم أن يفندوها دون أن يكونوا ملزمين بسلوك سبيل الطعن بالتزوير، ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا ما استثناه القانون وجعل له قوة إثبات خاصة بحيث يعتبر المحضر حجة بما جاء فيه إلى أن يثبت ما ينفيه تارة بالطعن بالتزوير كما هو الحال في محاضر الجلسات والأحكام وطوراً بالطعن بالطرق العادية كمحاضر المخالفات بالنسبة إلى الوقائع التي يثبتها المأمورون المختصون إلى أن يثبت ما ينفيها. ([2])

وقد جاء في نظام الاجراءات الجزائية العماني ” ليس لمحاضر التحقيقات السابقة على المحاكمة حجية في الإثبات أمام المحكمة وإنما يجوز لها الاستفادة منها في استخلاص القرائن واستخدام عناصرها في مناقشة المحقق كشاهد بعد حلفه اليمين فيما أثبته في محاضره” ([3])

و في المملكة العربية السعودية نص نظام الإجراءات الجزائية (تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه)([4]) .

و لكنها لم تشر إلى حجية المحاضر من عدمها و عليه يمكن القول أن ما ورد في هذه المحاضر قرائن ينبغي للقاضي أن لا يغفلها إذ بسببها قامت التهمة و ترجح لدى قاضي التحقيق رفعها للقضاء ، و لا يصح إغفالها البته بل هي قرينة من القرائن و قد توصل إلها المحقق و دوننها في محضره فهي أن لم تعتبر دليلاَ فلا أقل من أن تكون قرينة يتأنس بها القاضي  ، وهي قابلة للنقاش فيتادولها الدفاع و تدور حولها المناقشة بالجلسة .

و المحاضر التي يحررها أعضاء النيابة العامة لإثبات التحقيق الذي يباشرونه هي محاضر رسمية لصدورها من موظف مختص بتحريرها و هي بهذا الاعتبار حجة بما يثبت فيها و إن كانت حجيتها لا تحول بين المتهمين و بين إبداء دفاعاتهم على الوجه الذي يرونه مهما كان ذلك متعارضاً مما أثبت فيها([5]).







([1])    انظر : القضاء ونظام الإثبات في الفقه الإسلامي ، د. محمود محمد هاشم، ص152 وما بعدها.
([2])    (نقض جلسة 12/6/1962 س18 ق161 ص797)
([3])    المادة 186 نظام الاجراءات الجزائية العماني
([4])    انظر : نظام الإجراءات الجزائية الصادر من ديوان رئاسة مجلس الوزراء والمؤيد بالمرسوم الملكي الكريم رقم 26/39 وتاريخ 28/7/1422هـ المادة (180).
([5])    انظر :  الملامح العامة لنظام الاجراءات الجزائية السعودي و دوره في حماية حقوق الانسان لصلاح الحجيلان ص412

ليست هناك تعليقات: